وَالطُّفَيْلُ بْنُ حَارِثَةَ وَالسَّرِيُّ زِيَادٌ إِلَى خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيِّ فَدَفَعُوهُ إِلَى أَمْرِهِمْ، فَلَمْ يُجِبْهُمْ.
وَأَرَادَ الْوَلِيدُ الْحَجَّ فَخَافَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلُوهُ فِي الطَّرِيقِ فَنَهَاهُ عَنِ الْحَجِّ، فَقَالَ: وَلِمَ؟ فَأَخْبَرَهُ فَحَبَسَهُ وَأَمَرَ أَنْ يُطَالِبَ بِأَمْوَالِ الْعِرَاقِ، ثُمَّ اسْتَقْدَمَ يُوسُفَ بْنَ عُمَرَ مِنِ الْعِرَاقِ وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُحْضِرَ مَعَهُ الْأَمْوَالَ، وَأَرَادَ عَزْلَهُ وَتَوْلِيَةَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ. فَقَدِمَ يُوسُفُ بِأَمْوَالٍ لَمْ يُحْمَلْ مِنَ الْعِرَاقِ مِثْلُهَا، فَلَقِيَهُ حَسَّانُ النَّبَطِيُّ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْوَلِيدَ يُرِيدُ أَنْ يُوَلِّيَ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ الرُّشَى إِلَى وُزَرَائِهِ، فَفَرَّقَ فِيهِمْ خَمْسَمِائَةِ أَلْفٍ، وَقَالَ لَهُ حَسَّانُ: اكْتُبْ عَلَى لِسَانِ خَلِيفَتِكَ بِالْعِرَاقِ كِتَابًا: إِنِّي كَتَبْتُ إِلَيْكَ وَلَا أَمْلِكُ إِلَّا الْقَصْرَ، وَادْخُلْ عَلَى الْوَلِيدِ وَالْكِتَابُ مَعَكَ مَخْتُومٌ وَاشْتَرِ مِنْهُ خَالِدًا، فَفَعَلَ، فَأَمَرَهُ الْوَلِيدُ بِالْعَوْدِ إِلَى الْعِرَاقِ، وَاشْتَرَى مِنْهُ خَالِدًا الْقَسْرِيَّ بِخَمْسِينَ أَلْفَ أَلْفٍ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مَعَهُ فِي مَحْمَلٍ بِغَيْرِ وَطَاءٍ إِلَى الْعِرَاقِ. فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْيَمَنِ شِعْرًا عَلَى لِسَانِ الْوَلِيدِ يُحَرِّضُ عَلَيْهِ الْيَمَانِيَّةَ وَقِيلَ: إِنَّهَا لِلْوَلِيدِ يُوَبِّخُ الْيَمَنَ عَلَى تَرْكِ نَصْرِ خَالِدٍ:
أَلَمْ تَهْتَجْ فَتَذَّكِرِ الْوِصَالَا ... وَحَبْلًا كَانَ مُتَّصِلًا فَزَالَا
بَلَى فَالدَّمْعُ مِنْكَ إِلَى انْسِجَامٍ ... كَمَاءِ الْمُزْنِ يَنْسَجِلُ انْسِجَالًا
فَدَعْ عَنْكَ ادِّكَارَكَ آلَ سُعْدَى ... فَنَحْنُ الْأَكْثَرُونَ حَصًى وَمَالَا
وَنَحْنُ الْمَالِكُونَ النَّاسَ قَسْرًا ... نَسُومُهُمُ الْمَذَلَّةَ وَالنَّكَالَا
وَطْئِنَا الْأَشْعَرَيْنِ بِعِزِّ قَيْسٍ ... فَيَا لَكِ وَطْأَةً لَنْ تُسْتَقَالَا
وَهَذَا خَالِدٌ فِينَا أَسِيرٌ ... أَلَا مَنَعُوهُ إِنْ كَانُوا رِجَالًا
عَظِيمُهُمُ وَسَيِّدُهُمْ قَدِيمًا ... جَعَلْنَا الْمُخْزِيَاتِ لَهُ ظِلَالَا
فَلَوْ كَانَتْ قَبَائِلَ ذَاتَ عِزٍّ ... لَمَا ذَهَبَتْ صَنَائِعُهُ ضَلَالًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute