للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا سَمِعَ هَذَا الشِّعْرَ أَمَرَ بِهَدْمِهَا، وَلَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ النَّاسَ يَذُمُّونَهُ لِبِنَائِهِ الْبِيعَةَ لِأُمِّهِ قَامَ يَعْتَذِرُ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ دِينَهُمْ إِنْ كَانَ شَرًّا مِنْ دِينِكُمْ. وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ خَلِيفَةَ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ أَفْضَلُ مِنْ رَسُولِهِ فِي حَاجَتِهِ، يَعْنِي أَنَّ الْخَلِيفَةَ هِشَامًا أَفْضَلُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ.

ذِكْرُ قَتْلِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ النَّاقِصُ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ.

وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ خَلَاعَتِهِ وَمَجَانَتِهِ، فَلَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ لَمْ يَزِدْ مِنَ الَّذِي كَانَ فِيهِ مِنَ اللَّهْوِ وَاللَّذَّةِ وَالرُّكُوبِ لِلصَّيْدِ وَشُرْبِ النَّبِيذِ وَمُنَادَمَةِ الْفُسَّاقِ إِلَّا تَمَادِيًا، فَثَقُلَ ذَلِكَ عَلَى رَعِيَّتِهِ وَجُنْدِهِ وَكَرِهُوا أَمْرَهُ، وَكَانَ أَعْظَمُهُ مَا جَنَى عَلَى نَفْسِهِ إِفْسَادَهُ بَنِي عَمَّيْهِ هِشَامٍ وَالْوَلِيدِ، فَإِنَّهُ أَخَذَ سُلَيْمَانَ بْنَ هِشَامٍ، فَضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ، وَغَرَّبَهُ إِلَى عَمَّانَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ فَحَبَسَهُ بِهَا، فَلَمْ يَزَلْ مَحْبُوسًا حَتَّى قُتِلَ الْوَلِيدُ، فَأَخَذَ جَارِيَةً كَانَتْ لِآلِ الْوَلِيدِ، فَكَلَّمَهُ عُثْمَانُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي رَدِّهَا، فَقَالَ: لَا أَرُدُّهَا. فَقَالَ: إِذَنْ تَكْثُرُ الصَّوَاهِلُ حَوْلَ عَسْكَرِكَ! وَحَبَسَ الْأَفْقَمُ يَزِيدَ بْنَ هِشَامٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَ رَوْحِ بْنِ الْوَلِيدِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَحَبَسَ عِدَّةً مِنْ وَلَدِ الْوَلِيدِ، فَرَمَاهُ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْوَلِيدِ بِالْكُفْرِ وَغِشْيَانِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِ أَبِيهِ وَقَالُوا: قَدِ اتَّخَذَ مِائَةً جَامِعَةً لِبَنِي أُمَيَّةَ.

وَكَانَ أَشَدُّهُمْ فِيهِ يَزِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَكَانَ النَّاسُ إِلَى قَوْلِهِ أَمْيَلَ لِأَنَّهُ كَانَ يُظْهِرُ النُّسُكَ وَيَتَوَاضَعُ، وَكَانَ قَدْ نَهَاهُ سَعِيدُ بْنُ بَيْهَسِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنِ الْبَيْعَةِ لِابْنَيْهِ الْحَكَمِ وَعُثْمَانَ لِصِغَرِهِمَا، فَحَبَسَهُ حَتَّى مَاتَ فِي الْحَبْسِ.

وَأَرَادَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ عَلَى الْبَيْعَةِ لِابْنَيْهِ فَأَبَى، فَغَضِبَ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: لَا تَخَافُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: كَيْفَ أُبَايِعُ مَنْ لَا أُصَلِّي خَلْفَهُ وَلَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ؟ قَالُوا: فَتَقْبَلُ شَهَادَةَ الْوَلِيدِ مَعَ فِسْقِهِ! قَالَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ غَائِبٌ عَنِّي وَإِنَّمَا هِيَ أَخْبَارُ النَّاسِ. فَفَسَدَتِ الْيَمَانِيَّةُ عَلَيْهِ وَفَسَدَتْ عَلَيْهِ قُضَاعَةُ، وَهُمْ وَالْيَمَنُ أَكْثَرُ جُنْدِ أَهْلِ الشَّامِ، فَأَتَى حُرَيْثٌ وَشَبِيبُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ الْغَسَّانِيُّ وَمَنْصُورُ بْنُ جُمْهُورٍ الْكَلْبِيُّ وَابْنُ عَمِّهِ حِبَالُ بْنُ عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَحُمَيْدُ بْنُ مَنْصُورٍ اللَّخْمِيُّ وَالْأَصْبَغُ بْنُ ذُؤَالَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>