مُحَمَّدٍ ثُمَّ بَايَعَ لِيَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ.
وَلَمَّا أَتَى الْخَبَرُ إِلَى الْوَلِيدِ قَالَ لَهُ يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ: سِرْ حَتَّى تَنْزِلَ حِمْصَ فَإِنَّهَا حَصِينَةٌ، وَوَجِّهِ الْخُيُولَ إِلَى يَزِيدَ فَيُقْتَلُ أَوْ يُؤْسَرُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: مَا يَنْبَغِي لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يَدَعَ عَسْكَرَهُ وَنِسَاءَهُ قَبْلَ أَنْ يُقَاتِلَ، وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَنْصُرُهُ. فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ: وَمَا نَخَافُ عَلَى حُرَمِهِ، وَإِنَّمَا أَتَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِنَّ.
فَأَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ عَنْبَسَةَ وَسَارَ حَتَّى أَتَى الْبَخْرَاءَ قَصْرَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَسَارَ مَعَهُ مِنْ وَلَدِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ أَرْبَعُونَ رَجُلًا فَقَالُوا لَهُ: لَيْسَ لَنَا سِلَاحٌ، فَلَوْ أَمَرْتَ لَنَا بِسِلَاحٍ. فَمَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا. وَنَازَلَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَكَتَبَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَى الْوَلِيدِ: إِنِّي آتِيكَ. فَقَالَ الْوَلِيدُ: أَخْرِجُوا سَرِيرًا، فَأَخْرَجُوهُ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ وَانْتَظَرَ الْعَبَّاسَ. فَقَاتَلَهُمْ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَمَعَهُ مَنْصُورُ بْنُ جُمْهُورٍ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ الْعَزِيزِ زِيَادَ بْنَ حُصَيْنٍ الْكَلْبِيَّ يَدْعُوهُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، فَقَتَلَهُ أَصْحَابُ الْوَلِيدِ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَكَانَ الْوَلِيدُ قَدْ أَخْرَجَ لِوَاءَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ الَّذِي كَانَ عَقَدَهُ بِالْجَابِيَةِ.
وَبَلَغَ عَبْدَ الْعَزِيزِ مَسِيرُ الْعَبَّاسِ إِلَى الْوَلِيدِ، فَأَرْسَلَ مَنْصُورَ بْنَ جُمْهُورٍ إِلَى طَرِيقِهِ فَأَخَذَهُ قَهْرًا وَأُتِيَ بِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ فَقَالَ لَهُ: بَايِعْ لِأَخِيكَ يَزِيدَ. فَبَايَعَ وَوَقَفَ، وَنَصَبُوا رَايَةً وَقَالُوا: هَذِهِ رَايَةُ الْعَبَّاسِ قَدْ بَايَعَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدَ. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِنَّا لِلَّهِ، خُدْعَةٌ مِنْ خُدَعِ الشَّيْطَانِ، هَلَكَ بَنُو مَرْوَانَ. فَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنِ الْوَلِيدِ وَأَتَوُا الْعَبَّاسَ وَعَبْدَ الْعَزِيزِ. وَأَرْسَلَ الْوَلِيدُ إِلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ يَبْذُلُ لَهُ خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ وَوِلَايَةَ حِمْصَ مَا بَقِيَ وَيُؤَمِّنُهُ مِنْ كُلِّ حَدَثٍ عَلَى أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ قِتَالِهِ. فَأَبَى وَلَمْ يُجِبْهُ. فَظَاهَرَ الْوَلِيدُ بَيْنَ دِرْعَيْنِ، وَأَتَوْهُ بِفَرَسَيْهِ السِّنْدِيِّ الزَّائِدِ فَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، فَنَادَاهُمْ رَجُلٌ: اقْتُلُوا عَدُوَّ اللَّهِ قِتْلَةَ قَوْمِ لُوطٍ! ارْجُمُوهُ بِالْحِجَارَةِ! فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ دَخَلَ الْقَصْرَ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ وَقَالَ:
دَعُوا لِيَ سُلَيْمَى وَالطِّلَاءَ وَقَيْنَةً ... وَكَأْسًا أَلَا حَسْبِي بِذَلِكَ مَالَا
إِذَا مَا صَفَا عَيْشِي بِرَمْلَةِ عَالِجٍ ... وَعَانَقْتُ سَلْمَى مَا أُرِيدُ بِدَالَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute