خُذُوا مُلْكَكُمْ لَا ثَبَّتَ اللَّهُ مُلْكَكُمْ
ثَبَاتًا يُسَاوِي مَا حَيِيتُ عِقَالَا ... وَخَلُّوا عِنَانِي قَبْلَ عَيْرٍ وَمَا جَرَى
وَلَا تَحْسُدُونِي أَنْ أَمُوتَ هُزَالَا
فَلَمَّا دَخَلَ الْقَصْرَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ أَحَاطَ بِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ، فَدَنَا الْوَلِيدُ مِنَ الْبَابِ وَقَالَ: أَمَا فِيكُمْ رَجُلٌ شَرِيفٌ لَهُ حَسَبٌ وَحَيَاءٌ أُكَلِّمُهُ؟ قَالَ يَزِيدُ بْنُ عَنْبَسَةَ السَّكْسَكِيُّ: كَلِّمْنِي. قَالَ: يَا أَخَا السَّكَاسِكِ، أَلَمْ أَزِدْ فِي أَعْطِيَاتِكُمْ؟ أَلَمْ أَرْفَعِ الْمُؤَنَ عَنْكُمْ؟ أَلَمْ أُعْطِ فُقَرَاءَكُمْ؟ أَلَمْ أَخْدِمْ زَمْنَاكُمْ؟ فَقَالَ: إِنَّا مَا نَنْقِمُ عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِنَا، إِنَّمَا نَنْقِمُ عَلَيْكَ فِي انْتِهَاكِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنِكَاحِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِ أَبِيكَ وَاسْتِخْفَافِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ! قَالَ: حَسْبُكَ يَا أَخَا السَّكَاسِكِ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ أَكْثَرْتُ وَأَغْرَقْتُ، وَإِنَّ فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ سَعَةً عَمَّا ذَكَرْتَ. وَرَجَعَ إِلَى الدَّارِ وَجَلَسَ وَأَخَذَ مُصْحَفًا فَنَشَرَهُ يَقْرَأُ فِيهِ وَقَالَ: يَوْمٌ كَيَوْمِ عُثْمَانَ. فَصَعِدُوا عَلَى الْحَائِطِ، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ عَلَاهُ يَزِيدُ بْنُ عَنْبَسَةَ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ فَأَخْذَ بِيَدِهِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَحْبِسَهُ وَيُؤَامِرَ فِيهِ، فَنَزَلَ مِنَ الْحَائِطِ عَشَرَةٌ، مِنْهُمْ: مَنْصُورُ بْنُ جُمْهُورٍ، وَعَبْدُ السَّلَامِ اللَّخْمِيُّ، فَضَرَبَهُ عَبْدُ السَّلَامِ عَلَى رَأْسِهِ وَضَرَبَهُ السَّرِيُّ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِي كَبْشَةَ فِي وَجْهِهِ وَاحْتَزُّوا رَأْسَهُ وَسَيَّرُوهُ إِلَى يَزِيدَ.
فَأَتَاهُ الرَّأْسُ وَهُوَ يَتَغَدَّى، فَسَجَدَ، وَحَكَى لَهُ يَزِيدُ بْنُ عَنْبَسَةَ مَا قَالَهُ لِلْوَلِيدِ، قَالَ آخِرَ كَلَامِهِ: اللَّهُ لَا يَرْتِقُ فَتْقَكُمْ وَلَا يَلُمُّ شَعَثَكُمْ وَلَا تَجْتَمِعُ كَلِمَتُكُمْ، فَأَمَرَ يَزِيدُ بِنَصْبِ رَأْسِهِ. فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ بْنُ فَرْوَةَ مَوْلَى بَنِي مُرَّةَ: إِنَّمَا تُنْصَبُ رُءُوسُ الْخَوَارِجِ، وَهَذَا ابْنُ عَمِّكَ وَخَلِيفَةٌ، وَلَا آمَنُ إِنْ نَصَبْتُهُ أَنْ تَرِقَّ لَهُ قُلُوبُ النَّاسِ، وَيَغْضَبَ لَهُ أَهْلُ بَيْتِهِ. فَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَنَصَبَهُ عَلَى رُمْحٍ فَطَافَ بِهِ بِدِمَشْقَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ أَنْ يُدْفَعَ إِلَى أَخِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَزِيدَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ قَالَ: بُعْدًا لَهُ! أَشْهَدُ أَنَّهُ كَانَ شَرُوبًا لِلْخَمْرِ مَاجِنًا فَاسِقًا، وَلَقَدْ أَرَادَنِي فِي نَفَسِي الْفَاسِقُ. وَكَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute