فَحَسَدَهُمْ أَصْحَابُهُ، وَسَعَوْا بِهِمْ إِلَيْهِ، وَقَالُوا عَنْهُمْ مَا أَوْحَشَهُ مِنْهُمْ فَأَمَرَ، فَحُفِرَ لَهُمْ أُخْدُودٌ، وَأَلْقَاهُمْ فِيهِ، وَهُمْ سِتَّةُ رِجَالٍ، وَأَلْقَى مَعَهُمْ سَبُعًا ضَارِيًا لِيَأْكُلَهُمْ، ثُمَّ قَالَ أَصْحَابُ بُخْتُنَصَّرَ: انْطَلِقُوا فَلْنَأْكُلْ وَلْنَشْرَبْ، فَذَهَبُوا فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا، ثُمَّ رَاحُوا فَوَجَدُوهُمْ جُلُوسًا وَالسَّبُعُ مُفْتَرِشٌ ذِرَاعَيْهِ بَيْنَهُمْ لَمْ يَخْدِشْ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَوَجَدُوا مَعَهُمْ رَجُلًا سَابِعًا، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ السَّابِعُ، وَكَانَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَلَطَمَ بُخْتُنَصَّرَ لَطْمَةً فَمَسَخَهُ وَصَارَ فِي الْوَحْشِ فِي صُورَةِ أَسَدٍ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَعْقِلُ مَا يَعْقِلُهُ الْإِنْسَانُ، ثُمَّ رَدَّهُ اللَّهُ إِلَى صُورَةِ الْإِنْسِ وَأَعَادَ عَلَيْهِ مُلْكَهُ، فَلَمَّا عَادَ إِلَى مُلْكِهِ كَانَ دَانْيَالُ وَأَصْحَابُهُ أَكْرَمَ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَعَادَ الْفُرْسُ وَسَعَوْا بِهِمْ إِلَى بُخْتُنَصَّرَ، وَقَالُوا لَهُ فِي سِعَايَتِهِمْ: إِنَّ دَانْيَالَ إِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ كَثْرَةِ الْبَوْلِ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ عَارًا، فَصَنَعَ لَهُمْ بُخْتُنَصَّرُ طَعَامًا وَأَحْضَرَهُ عِنْدَهُ وَقَالَ لِلْبَوَّابِ: انْظُرْ أَوَّلَ مَنْ خَرَجَ لِيَبُولَ فَاقْتُلْهُ، وَإِنْ قَالَ لَكَ: أَنَا بُخْتُنَصَّرُ، فَقُلْ لَهُ: كَذَبْتَ، بُخْتُنَصَّرُ أَمَرَنِي بِقَتْلِكَ وَاقْتُلْهُ.
فَحَبَسَ اللَّهُ عَنْ دَانْيَالَ الْبَوْلَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَامَ مِنَ الْجَمْعِ بُخْتُنَصَّرُ فَقَامَ مُدِلًّا أَنَّهُ الْمَلِكُ، وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلًا، فَلَمَّا رَآهُ الْبَوَّابُ شَدَّ عَلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَنَا بُخْتُنَصَّرُ! فَقَالَ: كَذَبْتَ، بُخْتُنَصَّرُ أَمَرَنِي بِقَتْلِكَ، وَقَتَلَهُ.
وَقِيلَ فِي سَبَبِ قَتْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ عَلَيْهِ بَعُوضَةً فَدَخَلَتْ فِي مِنْخَرِهِ وَصَعِدَتْ إِلَى رَأْسِهِ، فَكَانَ لَا يَقَرُّ وَلَا يَسْكُنُ حَتَّى يُدَقَّ رَأْسُهُ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِأَهْلِهِ: شُقُّوا رَأْسِي فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي قَتَلَنِي، فَلَمَّا مَاتَ شَقُّوا رَأْسَهُ فَوَجَدُوا الْبَعُوضَةَ بِأُمِّ رَأْسِهِ، لِيُرِيَ اللَّهُ الْعِبَادَ قُدْرَتَهُ وَسُلْطَانَهُ وَضَعْفَ بُخْتُنَصَّرَ، لَمَّا تَجَبَّرَ قَتَلَهُ بِأَضْعَفِ مَخْلُوقَاتِهِ، تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ.
وَأَمَّا دَانْيَالُ فَإِنَّهُ أَقَامَ بِأَرْضِ بَابِلَ، وَانْتَقَلَ عَنْهَا، وَمَاتَ وَدُفِنَ بِالسُّوسِ مِنْ أَعْمَالِ خُوزِسْتَانَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute