إِلْيَاسَ سَنَةً وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَإِمَارَةُ ابْنِهِ حَبِيبٍ ثَلَاثَ سِنِينَ.
ذِكْرُ إِخْرَاجِ وَرْفَجُومَةَ مِنَ الْقَيْرَوَانِ
وَلِمَا قُتِلَ حَبِيبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَادَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ إِلَى الْقَيْرَوَانِ، وَفَعَلَ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ عَاصِمٌ مِنَ الْفَسَادِ وَالظُّلْمِ وَقِلَّةِ الدِّينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَفَارَقَ الْقَيْرَوَانَ أَهْلُهَا.
فَاتَّفَقَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْإِبَاضِيَّةِ دَخَلَ الْقَيْرَوَانَ لِحَاجَةٍ لَهُ، فَرَأَى نَاسًا مَنِ الْوَرْفَجُومِيِّينَ قَدْ أَخَذُوا امْرَأَةً قَهْرًا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ فَأَدْخَلُوهَا الْجَامِعَ، فَتَرَكَ الْإِبَاضَيُّ حَاجَتَهُ وَقَصَدَ أَبَا الْخَطَّابِ عَبْدَ الْأَعْلَى بْنَ السَّمْحِ الْمَعَافِرِيَّ فَأَعْلَمَهُ ذَلِكَ، فَخَرَجَ أَبُو الْخَطَّابِ وَهُوَ يَقُولُ: بَيْتَكَ اللَّهُمَّ بَيْتَكَ! فَاجْتَمَعَ (إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَقَصَدُوا طَرَابُلُسَ الْغَرْبِ، وَاجْتَمَعَ) عَلَيْهِ النَّاسُ مِنَ الْإِبَاضِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ، وَسَيَّرَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ الْمَلِكِ، مُقَدِّمُ وَرْفَجُومَةَ، جَيْشًا فَهَزَمُوهُ وَسَارُوا إِلَى الْقَيْرَوَانِ، فَخَرَجَتْ إِلَيْهِمْ وَرْفَجُومَةُ وَاقْتَتَلُوا وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، فَانْهَزَمَ أَهْلُ الْقَيْرَوَانِ الَّذِينَ مَعَ وَرْفَجُومَةَ وَخَذَلُوهُمْ، فَتَبِعَهُمْ وَرْفَجُومَةُ فِي الْهَزِيمَةِ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِيهِمْ وَقُتِلَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْوَرْفَجُومِيُّ، وَتَبِعَهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ يَقْتُلُهُمْ حَتَّى أَسْرَفَ فِيهِمْ، وَعَادَ إِلَى طَرَابُلُسَ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْقَيْرَوَانِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ رُسْتُمَ الْفَارِسِيَّ.
وَكَانَ قَتْلُ وَرْفَجُومَةَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ.
ثُمَّ إِنَّ جَمَاعَةً كَثِيرَةً مِنَ الْمُسَوِّدَةِ سَيَّرَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ الْخُزَاعِيُّ، أَمِيرُ مِصْرَ لِلْمَنْصُورِ، إِلَى طَرَابُلُسَ لِقِتَالِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَعَلَيْهِمْ أَبُو الْأَحْوَصِ عُمَرُ بْنُ الْأَحْوَصِ الْعِجْلِيُّ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَبُو الْخَطَّابِ وَقَاتَلَهُمْ وَهَزَمَهُمْ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، فَعَادُوا إِلَى مِصْرَ، وَاسْتَوْلَى أَبُو الْخَطَّابِ عَلَى سَائِرِ إِفْرِيقِيَّةَ. فَسَيَّرَ إِلَيْهِ الْمَنْصُورُ مُحَمَّدَ بْنَ الْأَشْعَثِ الْخُزَاعِيَّ أَمِيرًا عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ، فَسَارَ مِنْ مِصْرَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ فَوَصَلَ إِلَيْهَا فِي خَمْسِينَ أَلْفًا، وَوَجَّهَ مَعَهُ الْأَغْلَبَ بْنَ سَالِمٍ التَّمِيمِيَّ، وَبَلَغَ أَبَا الْخَطَّابِ مَسِيرُهُ فَجَمَعَ أَصْحَابَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، فَكَثُرَ جَمْعُهُ وَخَافَهُ ابْنُ الْأَشْعَثِ لِكَثْرَةِ جُمُوعِهِ.
فَتَنَازَعَتْ زِنَاتَةُ وَهَوَارَةُ بِسَبَبِ قَتِيلٍ مِنْ زِنَاتَةَ، فَاتَّهَمَتْ زِنَاتَةُ أَبَا الْخَطَّابِ بِالْمَيْلِ إِلَيْهِمْ، فَفَارَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ، فَقَوِيَ جَنَانُ ابْنُ الْأَشْعَثِ وَسَارَ سَيْرًا رُوَيْدًا، ثُمَّ أَظْهَرَ أَنَّ الْمَنْصُورَ قَدْ أَمَرَهُ بِالْعَوْدِ، وَعَادَ إِلَى وَرَائِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ سَيْرًا بَطِيئًا، فَوَصَلَتْ عُيُونُ أَبِي الْخَطَّابِ وَأَخْبَرَتْهُ بِعَوْدِهِ، فَتَفَرَّقَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَمِنَ الْبَاقُونَ، فَعَادَ ابْنُ الْأَشْعَثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute