أَشْرَافِ الْعَرَبِ وَعَادَ إِلَى الْقَيْرَوَانِ. فَلَمَّا اسْتَقَرَّ بِهَا بَعَثَ بِطَاعَتِهِ إِلَى الْمَنْصُورِ مَعَ وَفْدٍ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ قَاضِي إِفْرِيقِيَّةَ.
ثُمَّ سَارَ حَبِيبٌ إِلَى تُونِسَ فَمَلَكَهَا، فَسَارَ إِلَيْهِ إِلْيَاسُ وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا ضَعِيفًا، فَلَمَّا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ تَرَكَ حَبِيبٌ خِيَامَهُ وَسَارَ جَرِيدَةُ إِلَى الْقَيْرَوَانِ فَدَخَلَهَا وَأَخْرَجَ مَنْ فِي السِّجْنِ وَكَثُرَ جَمْعُهُ.
وَرَجَعَ إِلْيَاسُ فِي طَلَبِهِ فَفَارَقَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَقَصَدُوا حَبِيبًا، فَعَظُمَ جَيْشُهُ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ فَالْتَقَيَا، فَغَدَرَ أَصْحَابُ إِلْيَاسَ، وَبَرَزَ حَبِيبٌ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَقَالَ لَهُ: مَا لَنَا نَقْتُلُ صَنَائِعَنَا وَمَوَالِيَنَا؟ وَلَكِنِ ابْرُزْ أَنْتَ إِلَيَّ فَأَيُّنَا قَتَلَ صَاحِبَهُ اسْتَرَاحَ مِنْهُ. فَتَوَقَّفَ إِلْيَاسُ ثُمَّ بَرَزَ إِلَيْهِ فَاقْتَتَلَا قِتَالًا شَدِيدًا تَكَسَّرَ فِيهِ رُمْحَاهُمَا ثُمَّ سَيْفَاهُمَا، ثُمَّ إِنَّ حَبِيبًا عَطَفَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ وَدَخَلَ الْقَيْرَوَانَ، وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ.
وَهَرَبَ إِخْوَةُ إِلْيَاسَ إِلَى بَطْنٍ مِنَ الْبَرْبَرِ يُقَالُ لَهُمْ وَرْفَجُومَةَ فَاعْتَصَمُوا بِهِمْ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ حَبِيبٌ فَقَاتَلَهُمْ فَهَزَمُوهُ، فَسَارَ إِلَى قَابِسَ، وَقَوِيَ أَمْرُ وَرْفَجُومَةَ حِينَئِذٍ، وَأَقْبَلَتِ الْبَرْبَرُ إِلَيْهِمْ وَالْخَوَارِجُ، وَكَانَ مُقَدِّمُ وَرْفَجُومَةَ رَجُلًا اسْمُهُ عَاصِمُ بْنُ جَمِيلٍ، (وَكَانَ قَدِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَالْكَهَانَةَ، فَبَدَّلَ الدِّينَ وَزَادَ فِي الصَّلَاةِ وَأَسْقَطَ ذِكْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْأَذَانِ، فَجَهَّزَ عَاصِمٌ) مَنْ عِنْدِهِ مِنَ الْعَرَبِ عَلَى قَصْدِ الْقَيْرَوَانِ، وَأَتَاهُ رُسُلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْقَيْرَوَانِ يَدْعُونَهُ إِلَيْهِمْ، وَأَخَذُوا عَلَيْهِ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ بِالْحِمَايَةِ وَالصِّيَانَةِ وَالدُّعَاءِ لِلْمَنْصُورِ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ عَاصِمٌ فِي الْبَرْبَرِ وَالْعَرَبِ، فَلَمَّا قَارَبُوا الْقَيْرَوَانَ خَرَجَ مَنْ بِهَا لِقِتَالِهِمْ فَاقْتَتَلُوا، وَانْهَزَمَ أَهْلُ الْقَيْرَوَانِ، وَدَخَلَ عَاصِمٌ وَمَنْ مَعَهُ الْقَيْرَوَانَ، فَاسْتَحَلَّتْ وَرْفَجُومَةُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَسَبَوُا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ، وَرَبَطُوا دَوَابَّهُمْ فِي الْجَامِعِ وَأَفْسَدُوا فِيهِ.
ثُمَّ سَارَ عَاصِمٌ يَطْلُبُ حَبِيبًا وَهُوَ بِقَابِسَ فَأَدْرَكَهُ وَاقْتَتَلُوا، وَانْهَزَمَ حَبِيبٌ إِلَى جَبَلِ أُورَاسَ فَاحْتَمَى بِهِ، وَقَامَ بِنُصْرَةِ مَنْ بِهِ، وَلَحِقَ بِهِ عَاصِمٌ فَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ عَاصِمٌ وَقُتِلَ هُوَ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَسَارَ حَبِيبٌ إِلَى الْقَيْرَوَانِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ، وَقَدْ قَامَ بِأَمْرِ وَرْفَجُومَةَ بَعْدَ قَتْلِ عَاصِمٍ، فَاقْتَتَلَ هُوَ وَحَبِيبٌ، فَانْهَزَمَ حَبِيبٌ وَقُتِلَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ.
وَكَانَتْ إِمَارَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبٍ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَأَشْهُرًا، وَإِمَارَةُ أَخِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute