وَقُتِلَ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَزَالَتْ دَوْلَةُ بَنِي أُمَيَّةَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بِإِفْرِيقِيَّةَ، فَخَطَبَ لِلْخُلَفَاءِ الْعَبَّاسِيِّينَ وَأَطَاعَ السَّفَّاحَ. ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ فَتَزَوَّجَ هُوَ وَإِخْوَتُهُ مِنْهُمْ، وَكَانَ فِيمَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ: الْعَاصُ وَعَبْدُ الْمُؤْمِنِ ابْنَا الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَانَتِ ابْنَةُ عَمِّهَا تَحْتَ إِلْيَاسَ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَبَلَغَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْهُمَا السَّعْيُ فِي الْفَسَادِ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُمَا، فَقَالَتِ ابْنَةُ عَمِّهِمَا لِزَوْجِهَا إِلْيَاسَ: إِنَّ أَخَاكَ قَدْ قَتَلَ أَخْتَانَكَ وَلَمْ يُرَاقِبْكَ فِيهِمْ وَتَهَاوَنَ بِكَ، وَأَنْتَ سَيْفُهُ الَّذِي يَضْرِبُ بِهِ، وَكُلَّمَا فَتَحْتَ لَهُ فَتْحًا كَتَبَ إِلَى الْخُلَفَاءِ: إِنَّ ابْنِي حَبِيبًا فَتَحَهُ، وَقَدْ جَعَلَ لَهُ الْعَهْدَ بَعْدَهُ وَعَزَلَكَ عَنْهُ. وَلَمْ تَزَلْ تُغْرِيهِ بِهِ. فَتَحَرَّكَ لِقَوْلِهَا وَأَعْمَلَ الْحِيلَةَ عَلَى أَخِيهِ.
ثُمَّ إِنَّ السَّفَّاحَ تُوُفِّيَ وَوَلِيَ الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ الْمَنْصُورُ فَأَقَرَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ خُلْعَةً سَوْدَاءَ أَوَّلَ خِلَافَتِهِ فَلَبِسَهَا، وَهِيَ أَوَّلُ سَوَادٍ دَخَلَ إِفْرِيقِيَّةَ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَدِيَّةً وَكَتَبَ يَقُولُ: إِنَّ إِفْرِيقِيَّةَ الْيَوْمَ إِسْلَامِيَّةٌ كُلُّهَا، وَقَدِ انْقَطَعَ السَّبْيُ مِنْهَا وَالْمَالُ، فَلَا تَطْلُبْ مِنِّي مَالًا. فَغَضِبَ الْمَنْصُورُ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَتَهَدَّدُهُ، فَخَلَعَ الْمَنْصُورَ بِإِفْرِيقِيَّةَ وَمَزَّقَ خُلْعَتَهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَكَانَ خَلْعُ الْمَنْصُورِ مِمَّا أَعَانَ أَخَاهُ إِلْيَاسَ عَلَيْهِ. فَاتَّفَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ وُجُوهِ الْقَيْرَوَانِ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَقْتُلُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَيُوَلُّوهُ وَيُعِيدَ الدُّعَاءَ لِلْمَنْصُورِ. فَبَلَغَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَمَرَ أَخَاهُ إِلْيَاسَ بِالْمَسِيرِ إِلَى تُونِسَ، فَتَجَهَّزَ وَدَخَلَ إِلَيْهِ يُوَدِّعُهُ وَمَعَهُ أَخُوهُ عَبْدُ الْوَارِثِ، فَلَمَّا دَخَلَا عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَتَلَاهُ. (وَكَانَ قَتْلُهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَكَانَتْ إِمَارَتُهُ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَسَبْعَةَ أَشْهُرٍ.
وَلَمَّا قُتِلَ) ضَبَطَ إِلْيَاسُ أَبْوَابَ الدَّارِ لِيَأْخُذَ ابْنَهُ حَبِيبًا، فَلَمْ يَظْفَرْ بِهِ، وَهَرَبَ حَبِيبٌ إِلَى تُونِسَ وَاجْتَمَعَ بِعَمِّهِ عِمْرَانَ بْنِ حَبِيبٍ وَأَخْبَرَهُ بِقَتْلِ أَبِيهِ، وَسَارَ إِلْيَاسُ إِلَيْهِمَا، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا يَسِيرًا، ثُمَّ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِحَبِيبٍ قَفْصَةُ وَقَسْطِيلَةُ وَنِفْزَاوَةُ، وَيَكُونُ لِعِمْرَانَ تُونِسُ (وَصَطْفُورَةُ وَالْجَزِيرَةُ، وَيَكُونُ سَائِرُ إِفْرِيقِيَّةَ لِإِلْيَاسَ، وَكَانَ هَذَا الصُّلْحُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، فَلَمَّا اصْطَلَحُوا سَارَ حَبِيبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى عَمَلِهِ، وَمَضَى إِلْيَاسُ مَعَ أَخِيهِ عِمْرَانَ إِلَى تُونِسَ فَغَدَرَ بِعِمْرَانَ أَخِيهِ وَقَتَلَهُ وَأَخَذَ تُونِسَ) وَقَتَلَ جَمَاعَةً مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute