إِلَى قِتَالِ عُرْوَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بِهَا، فَإِذَا أَتَيْتَ مَوْضِعَ كَذَا فَقِفْ فِيهِ حَتَّى يَأْتِيَكَ فُلَانٌ بِكِتَابِي فَافْعَلْ بِمَا فِيهِ.
فَسَارَ إِلْيَاسُ وَدَعَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِنْسَانًا، وَهُوَ الرَّجُلُ الَّذِي قَالَ لِأَخِيهِ إِلْيَاسَ عَنْهُ، وَأَعْطَاهُ كِتَابًا وَقَالَ لَهُ: امْضِ حَتَّى تَدْخُلَ عَسْكَرَ ابْنِ عَطَّافٍ، فَإِذَا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ إِلْيَاسُ وَرَأَيْتَهُمْ يَدْعُونَ السِّلَاحَ وَالْخَيْلَ، فَإِذَا فَارَقَهُمْ إِلْيَاسُ وَوَضَعُوا السِّلَاحَ عَنْهُمْ وَأَمِنُوا، فَسِرْ إِلَيْهِ وَأَوْصِلْ كِتَابِي إِلَيْهِ. فَمَضَى الرَّجُلُ وَدَخَلَ عَسْكَرَ ابْنِ عَطَّافٍ، وَقَارَبَهُمْ إِلْيَاسُ فَتَحَرَّكُوا لِلرُّكُوبِ، ثُمَّ فَارَقَهُمْ إِلْيَاسُ نَحْوَ تُونِسَ فَسَكَنُوا وَقَالُوا: قَدْ دَخَلَ بَيْنَ فَكَّيْ أَسَدٍ، نَحْنُ مِنْ هَاهُنَا وَأَهْلُ تُونِسَ مِنْ هُنَاكَ، وَأَمِنُوا وَصَمَّمُوا الْعَزْمَ عَلَى الْمَسِيرِ خَلْفَهُ. فَلَمَّا أَمِنُوا سَارَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إِلَى إِلْيَاسَ فَأَوْصَلَ إِلَيْهِ كِتَابَ أَخِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَإِذَا فِيهِ: إِنَّ الْقَوْمَ قَدْ أَمِنُوكَ فَسِرْ إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي غَفْلَتِهِمْ. فَعَادَ إِلْيَاسُ إِلَيْهِمْ وَهُمْ غَارُّونَ فَلَمْ يَلْحَقُوا يَلْبَسُونَ سِلَاحَهُمْ حَتَّى دَهَمَهُمْ فَقَتَلَهُمْ، وَقَتَلَ ابْنَ عَطَّافٍ أَمِيرَهُمْ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَأَرْسَلَ إِلَى أَخِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى أَهْلِ تُونِسَ وَيَقُولُ: إِنَّهُمْ إِذَا رَأَوْكَ ظَنُّوكَ ابْنَ عَطَّافٍ فَأَمِنُوكَ فَظَفِرْتَ بِهِمْ.
فَسَارَ إِلَيْهِمْ، فَكَانَ كَمَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَوَصَلَ إِلَيْهَا وَصَاحِبُهَا عُرْوَةُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي الْحَمَّامِ، فَلَمْ يَلْحَقْ يَلْبَسُ ثِيَابَهُ حَتَّى غَشِيَهُ إِلْيَاسُ فَالْتَحَفَ بِمِنْشَفَةٍ يُنَشِّفُ بِهَا بَدَنَهُ وَرَكِبَ فَرَسَهُ عُرْيَانًا وَهَرَبَ، فَصَاحَ بِهِ إِلْيَاسُ: يَا فَارِسَ الْعَرَبِ! فَعَادَ إِلَيْهِ، فَضَرَبَهُ إِلْيَاسُ وَاحْتَضَنَهُ عُرْوَةُ فَسَقَطَا إِلَى الْأَرْضِ، وَكَادَ عُرْوَةُ يَظْهَرُ عَلَى إِلْيَاسَ فَأَتَاهُ مَوْلًى لِإِلْيَاسَ فَقَتَلَهُ وَاحْتَزَّ رَأْسَهُ وَسَيَّرَهُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَأَقَامَ إِلْيَاسُ بِتُونِسَ، وَخَرَجَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ بِطَرَابُلُسَ اسْمُهُمَا عَبْدُ الْجَبَّارِ وَالْحَارِثُ وَقَتَلَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ جَمَاعَةً كَثِيرَةً، فَسَارَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَقَاتَلَهُمَا فَقُتِلَا، وَكَانَا يَدِينَانِ بِمَذْهَبِ الْإِبَاضِيَّةِ مِنَ الْخَوَارِجِ.
وَجَنَّدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي قِتَالِ الْبَرْبَرِ، وَعَمَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سُورَ طَرَابُلُسَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، ثُمَّ إِنَّهُ عَادَ إِلَى الْقَيْرَوَانِ وَغَزَا تِلْمِسَانَ وَبِهَا جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ الْبَرْبَرِ فَظَفِرَ بِهِمْ، وَذَلِكَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، وَسَيَّرَ جَيْشًا إِلَى صِقِلِّيَّةَ فَظَفِرُوا وَغَنِمُوا غَنِيمَةً كَثِيرَةً، وَبَعَثَ جَيْشًا آخَرَ إِلَى سَرْدَانِيَةَ فَغَنِمُوا وَقَتَلُوا فِي الرُّومِ، وَدَوَّخَ الْمَغْرِبَ جَمِيعَهُ وَلَمْ يَنْهَزِمْ لَهُ عَسْكَرٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute