فَكَانَ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ تَارَةً بِالْخِلَافَةِ، وَتَارَةً بِالْإِمَارَةِ، وَتَارَةً لَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَمَكَثَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: سَبْعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ سَارَ إِلَيْهِ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ فَخَلَعَهُ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ حَيًّا حَتَّى أُصِيبَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو إِسْحَاقَ، أُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ.
ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبٍ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ
كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ نَافِعٍ قَدِ انْهَزَمَ لَمَّا قُتِلَ أَبُوهُ وَكُلْثُومُ بْنُ عِيَاضٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَسَارَ إِلَى الْأَنْدَلُسِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَأَرَادَ أَنْ يَتَغَلَّبَ عَلَيْهَا، فَلَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ، فَلَمَّا وَلِيَ حَنْظَلَةُ بْنُ صَفْوَانَ إِفْرِيقِيَّةَ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَجَّهَ أَبَا الْخَطَّارِ إِلَى الْأَنْدَلُسِ أَمِيرًا، فَأَيِسَ حِينَئِذٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِمَّا كَانَ يَرْجُوهُ فَعَادَ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ وَهُوَ خَائِفٌ مِنْ أَبِي الْخَطَّارِ، وَخَرَجَ بِتُونِسَ مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَقَدْ وَلِيَ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخِلَافَةَ بِالشَّامِ، فَدَعَا النَّاسَ إِلَى نَفْسِهِ، فَأَجَابُوهُ، فَسَارَ بِهِمْ إِلَى الْقَيْرَوَانِ، فَأَرَادَ مَنْ بِهَا قِتَالَهُ فَمَنَعَهُمْ حَنْظَلَةُ، وَكَانَ لَا يَرَى الْقِتَالَ إِلَّا لِكَافِرٍ أَوْ خَارِجِيٍّ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ حَنْظَلَةُ رِسَالَةً مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَعْيَانِ الْقَيْرَوَانِ رُؤَسَاءِ الْقَبَائِلِ يَدْعُوهُ إِلَى مُرَاجَعَةِ الطَّاعَةِ، فَقَبَضَهُ وَأَخَذَهُمْ مَعَهُ إِلَى الْقَيْرَوَانِ وَقَالَ: إِنْ رَمَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقَيْرَوَانِ بِحَجَرٍ قَتَلْتُ مَنْ عِنْدِي أَجْمَعِينَ، فَلَمْ يُقَاتِلْهُ أَحَدٌ. فَخَرَجَ حَنْظَلَةُ إِلَى الشَّامِ، وَاسْتَوْلَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى الْقَيْرَوَانِ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَسَائِرِ إِفْرِيقِيَّةَ.
وَلَمَّا خَرَجَ حَنْظَلَةُ إِلَى الشَّامِ دَعَا عَلَى أَهْلِ إِفْرِيقِيَّةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ فِيهِمْ، فَوَقَعَ الْوَبَاءُ وَالطَّاعُونُ سَبْعَ سِنِينَ، لَمْ يُفَارِقْهُمْ إِلَّا فِي أَوْقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَثَارَ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعَرَبِ وَالْبَرْبَرِ ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ.
فَمِمَّنْ خَرَجَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الْوَلِيدِ الصَّدَفِيُّ وَاسْتَوْلَى عَلَى تُونِسَ، وَقَامَ ابْنُ عَطَّافٍ عِمْرَانُ بْنُ عَطَّافٍ الْأَزْدِيُّ فَنَزَلَ بِطِيفَاسَ، وَثَارَتِ الْبَرْبَرُ بِالْجِبَالِ، وَخَرَجَ عَلَيْهِ ثَابِتٌ الصِّنْهَاجِيُّ بِبَاجَةَ فَأَخَذَهَا.
فَأَحْضَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخَاهُ إِلْيَاسَ وَجَعَلَ مَعَهُ سِتَّمِائَةِ فَارِسٍ وَقَالَ لَهُ: سِرْ حَتَّى تَجْتَازَ بِعَسْكَرِ ابْنِ عَطَّافٍ الْأَزْدِيِّ، فَإِذَا رَآكَ عَسْكَرُهُ فَارِقْهُمْ وَسِرْ عَنْهُمْ كَأَنَّكَ تُرِيدُ تُونِسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute