ذَلِكَ انْهَزَمُوا، وَوَضَعَ أَهْلُ حِمْصَ السِّلَاحَ فِيهِمْ لِحَنَقِهِمْ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَكَفَّ أَهْلُ الْجَزِيرَةِ وَأَهْلُ قِنَّسْرِينَ عَنْ قَتْلِهِمْ، وَأَتَوْا مَرْوَانَ مِنْ أُسَرَائِهِمْ بِمِثْلِ الْقَتْلَى وَأَكْثَرَ، فَأَخَذَ مَرْوَانُ عَلَيْهِمُ الْبَيْعَةَ لِوَلَدَيِ الْوَلِيدِ، وَخَلَّى عَنْهُمْ وَلَمْ يَقْتُلْ مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا يَزِيدُ بْنُ الْعَقَارِ وَالْوَلِيدُ بْنُ مَصَادٍ الْكَلْبِيَّانِ، وَكَانَا مِمَّنْ وَلِيَ قَتْلَ الْوَلِيدِ، فَإِنَّهُ حَبَسَهُمَا فَهَلَكَا فِي حَبْسِهِ.
وَهَرَبَ يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ فِيمَنْ هَرَبَ مَعَ سُلَيْمَانَ إِلَى دِمَشْقَ، وَاجْتَمَعُوا مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحَجَّاجِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنْ بَقِيَ وَلَدَا الْوَلِيدِ حَتَّى يُخْرِجَهُمَا مَرْوَانُ وَيُصَيِّرَ الْأَمْرَ إِلَيْهِمَا لَمْ يَسْتَبْقِيَا أَحَدًا مِنْ قَتَلَةِ أَبِيهِمَا وَالرَّأْيُ قَتْلُهُمَا، فَرَأَى ذَلِكَ يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ، فَأَمَرَ أَبَا الْأَسَدِ مَوْلَى خَالِدٍ بِقَتْلِهِمَا، وَأَخْرَجَ يُوسُفَ بْنَ عُمَرَ فَضَرَبَ رَقَبَتَهُ، وَأَرَادُوا قَتْلَ أَبِي مُحَمَّدٍ السُّفْيَانِيِّ فَدَخَلَ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِ السِّجْنِ وَأَغْلَقَهُ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى فَتْحِهِ، فَأَرَادُوا إِحْرَاقَهُ فَلَمْ يُؤْتَوْا بِنَارٍ، حَتَّى قِيلَ: قَدْ دَخَلَتْ خَيْلُ مَرْوَانَ الْمَدِينَةَ، فَهَرَبُوا وَهَرَبَ إِبْرَاهِيمُ وَاخْتَفَى، وَانْتَهَبَ سُلَيْمَانُ مَا فِي بَيْتِ الْمَالِ فَقَسَّمَهُ فِي أَصْحَابِهِ وَخَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ.
ذِكْرُ بَيْعَةِ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ بُويِعَ بِدِمَشْقَ لِمَرْوَانَ بِالْخِلَافَةِ.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ دِمَشْقَ وَهَرَبَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانُ، ثَارَ مَنْ بِدِمَشْقَ مِنْ مَوَالِي الْوَلِيدِ إِلَى دَارِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَتَلُوهُ، وَنَبَشُوا قَبْرَ يَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ فَصَلَبُوهُ عَلَى بَابِ الْجَابِيَةِ، وَأُتِيَ مَرْوَانُ بِالْغُلَامَيْنِ الْحَكَمِ وَعُثْمَانَ ابْنَيِ الْوَلِيدِ مَقْتُولَيْنِ، وَبِيُوسُفَ بْنِ عُمَرَ، فَدَفَنَهُمْ، وَأُتِيَ بِأَبِي مُحَمَّدٍ السُّفْيَانِيِّ فِي قُيُودِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ، وَمَرْوَانُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ بِالْإِمْرَةِ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: مَهْ! فَقَالَ: إِنَّهُمَا جَعَلَاهَا لَكَ بَعْدَهُمَا، وَأَنْشَدَهُ شِعْرًا قَالَهُ الْحَكَمُ فِي السِّجْنِ، وَكَانَا قَدْ بَلَغَا وَوُلِدَ لِأَحَدِهِمَا، وَهُوَ الْحَكَمُ، فَقَالَ الْحَكَمُ:
أَلَا مَنْ مُبْلِغٌ مَرْوَانَ عَنِّي ... وَعَمِّي الْغَمْرُ طَالَ بِهِ حَنِينَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute