وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ مَرْوَانَ لَمَّا عَادَ إِلَى حَرَّانَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَقَامَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، فَانْتَقَضَ عَلَيْهِ أَهْلُ حِمْصَ، وَكَانَ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ ثَابِتُ بْنُ نُعَيْمٍ وَرَاسَلَهُمْ، وَأَرْسَلَ أَهْلُ حِمْصَ إِلَى مَنْ بِتَدْمُرَ مِنْ كَلْبٍ، فَأَتَاهُمُ الْأَصْبَغُ بْنُ ذُؤَالَةَ الْكَلْبِيُّ وَأَوْلَادُهُ وَمُعَاوِيَةُ السَّكْسَكِيُّ، وَكَانَ فَارِسَ أَهْلِ الشَّامِ، وَغَيْرُهُمَا فِي نَحْوٍ مِنْ أَلْفٍ مِنْ فُرْسَانِهِمْ، فَدَخَلُوا لَيْلَةَ الْفِطْرِ، فَجَدَّ مَرْوَانُ فِي السَّيْرِ إِلَيْهِ وَمَعَهُ إِبْرَاهِيمُ الْمَخْلُوعُ وَسُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامٍ، وَكَانَ قَدْ آمَنَهُمَا، وَكَانَ يُكْرِمُهُمَا، فَبَلَغَهُمَا بَعْدَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ وَقَدْ سَدَّ أَهْلُهَا أَبْوَابَهَا، فَأَحْدَقَ بِالْمَدِينَةِ وَوَقَفَ بِإِزَاءِ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا، فَنَادَى مُنَادِيهِ الَّذِينَ عِنْدَ الْبَابِ: مَا دَعَاكُمْ إِلَى النَّكْثِ؟ قَالُوا: إِنَّا عَلَى طَاعَتِكَ لَمْ نَنْكُثْ. قَالَ: فَافْتَحُوا الْبَابَ، فَفَتَحُوا الْبَابَ، فَدَخَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْوَضَّاحِ فِي الْوَضَّاحِيَّةِ، وَهُمْ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ، فَقَاتَلَهُمْ مَنْ فِي الْبَلَدِ، فَكَثَّرَتْهُمْ خَيْلُ مَرْوَانَ، فَخَرَجَ بِهَا مَنْ بِهَا مِنْ بَابِ تَدْمُرَ، فَقَاتَلَهُمْ مَنْ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِ مَرْوَانَ، فَقَتَلَ عَامَّةَ مَنْ خَرَجَ مِنْهُ، وَأَفْلَتَ الْأَصْبَغُ بْنُ ذُؤَالَةَ وَابْنُهُ فُرَافِصَةُ، وَقَتَلَ مَرْوَانُ جَمَاعَةً مِنْ أُسَرَائِهِمْ، وَصَلَبَ خَمْسَمِائَةٍ مِنَ الْقَتْلَى حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَهَدَمَ مِنْ سُورِهَا نَحْوَ غَلْوَةٍ.
وَقِيلَ: إِنَّ فَتْحَ حِمْصَ وَهَدْمَ سُورِهَا كَانَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ.
ذِكْرُ خِلَافِ أَهْلِ الْغُوطَةِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَالَفَ أَهْلُ الْغُوطَةِ، وَوَلَّوْا عَلَيْهِمْ يَزِيدَ بْنَ خَالِدٍ الْقَسْرِيَّ وَحَصَرُوا دِمَشْقَ، وَأَمِيرَهَا زَامِلَ بْنَ عَمْرٍو، فَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ مَرْوَانُ مِنْ حِمْصَ أَبَا الْوَرْدِ بْنَ الْكَوْثَرِ بْنِ زُفَرَ بْنِ الْحَارِثِ، وَعُمَرَ بْنَ الْوَضَّاحِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ حَمَلُوا عَلَيْهِمْ، وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِالْمَدِينَةِ، فَانْهَزَمُوا وَاسْتَبَاحَ أَهْلُ مَرْوَانَ عَسْكَرَهُمْ، وَأَحْرَقُوا الْمِزَّةَ وَقُرًى مِنَ الْيَمَانِيَّةِ، وَأُخِذَ يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ فَقُتِلَ، وَبَعَثَ زَامِلٌ بِرَأْسِهِ إِلَى مَرْوَانَ بِحِمْصَ.
وَمِمَّنْ قُتِلَ فِي هَذِهِ الْحَرْبِ عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ الْعَبْسِيِّ مَعَ يَزِيدَ، وَكَانَ عَابِدًا كَثِيرَ الْمُجَاهَدَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute