للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ خَلْعِ سُلَيْمَانَ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ مَرْوَانَ بْنَ مُحَمَّدٍ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ خَلَعَ سُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ مَرْوَانَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَحَارَبَهُ.

وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قُدُومِ الْجُنُودِ عَلَيْهِ وَتَحْسِينِهِمْ لَهُ خَلْعَ مَرْوَانَ، وَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ أَرْضَى عِنْدَ النَّاسِ مِنْ مَرْوَانَ وَأَوْلَى بِالْخِلَافَةِ. فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ وَسَارَ بِإِخْوَتِهِ وَمَوَالِيهِ مَعَهُمْ فَعَسْكَرَ بِقِنَّسْرِينَ، وَكَاتِبَ أَهْلَ الشَّامِ، فَأَتَوْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ مَرْوَانَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ مِنْ قَرْقِيسِيَا، وَكَتَبَ إِلَى ابْنِ هُبَيْرَةَ يَأْمُرُهُ بِالْمُقَامِ، وَاجْتَازَ مَرْوَانُ فِي رُجُوعِهِ بِحِصْنِ الْكَامِلِ وَفِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ مَوَالِي سُلَيْمَانَ وَأَوْلَادِ هِشَامٍ فَتَحَصَّنُوا مِنْهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ: إِنِّي أُحَذِّرُكُمْ أَنْ تَعْرِضُوا لِأَحَدٍ مِمَّنْ يَتْبَعُنِي مِنْ جُنْدِي بِأَذًى، فَإِنْ فَعَلْتُمْ فَلَا أَمَانَ لَكُمْ عِنْدِي. فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ: إِنَّا نَسْتَكِفُّ. وَمَضَى مَرْوَانُ، فَجَعَلُوا يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ يَتْبَعُهُ مِنْ أُخْرَيَاتِ النَّاسِ، وَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِمْ.

وَاجْتَمَعَ إِلَى سُلَيْمَانَ نَحْوٌ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَالذَّكْوَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَسْكَرَ بِقَرْيَةِ خُسَافَ مِنْ أَرْضِ قِنَّسْرِينَ، وَأَتَاهُ مَرْوَانُ فَوَاقَعَهُ عِنْدَ وُصُولِهِ، فَاشْتَدَّ بَيْنَهُمُ الْقِتَالُ، وَانْهَزَمَ سُلَيْمَانُ وَمَنْ مَعَهُ، وَاتَّبَعَتْهُمْ خَيْلُ مَرْوَانَ تَقْتُلُ وَتَأْسِرُ، وَاسْتَبَاحُوا عَسْكَرَهُمْ، وَوَقَفَ مَرْوَانُ مَوْقِفًا وَوَقَفَ ابْنَاهُ مَوْقِفَيْنِ، وَوَقَفَ كَوْثَرٌ صَاحِبُ شُرْطَتِهِ مَوْقِفًا، وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَأْتُوا بِأَسِيرٍ إِلَّا قَتَلُوهُ إِلَّا عَبْدًا مَمْلُوكًا. فَأُحْصِيَ مِنْ قَتْلَاهُمْ يَوْمَئِذٍ [مَا] نَيَّفَ عَلَى ثَلَاثِينَ أَلْفَ قَتِيلٍ، وَقُتِلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَكْبَرُ وَلَدِهِ، وَخَالِدُ بْنُ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ خَالُ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَادَّعَى كَثِيرٌ مِنَ الْأُسَرَاءِ لِلْجُنْدِ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ، فَكَفَّ عَنْ قَتْلِهِمْ وَأَمَرَ بِبَيْعِهِمْ فِيمَنْ يَزِيدُ مَعَ مَنْ أُصِيبَ مِنْ عَسْكَرِهِمْ.

وَمَضَى سُلَيْمَانُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى حِمْصَ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِ مَنْ أَفْلَتَ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ، فَعَسْكَرَ بِهَا وَبَنَى مَا كَانَ مَرْوَانُ أَمَرَ بِهَدْمِهِ مِنْ حِيطَانِهَا. وَسَارَ مَرْوَانُ إِلَى حِصْنِ الْكَامِلِ حَنَقًا عَلَى مَنْ فِيهِ فَحَصَرَهُمْ وَأَنْزَلَهُمْ عَلَى حُكْمِهِ، فَمَثَّلَ بِهِمْ وَأَخَذَهُمْ أَهْلُ الرَّقَّةِ فَدَاوَوْا جِرَاحَاتِهِمْ، فَهَلَكَ بَعْضُهُمْ وَبَقِيَ أَكْثَرُهُمْ، وَكَانَتْ عِدَّتُهُمْ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ. ثُمَّ سَارَ إِلَى سُلَيْمَانَ وَمَنْ مَعَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: حَتَّى مَتَى نَنْهَزِمُ مِنْ مَرْوَانَ؟ فَتَبَايَعَ سَبْعُمِائَةٍ مِنْ فُرْسَانِهِمْ عَلَى الْمَوْتِ، وَسَارُوا بِأَجْمَعِهِمْ مُجْمِعِينَ عَلَى أَنْ يُبَيِّتُوهُ إِنْ أَصَابُوا مِنْهُ غِرَّةً. وَبَلَغَهُ خَبَرُهُمْ فَتَحَرَّزَ مِنْهُمْ وَزَحَفَ إِلَيْهِمْ فِي الْخَنَادِقِ عَلَى احْتِرَاسٍ وَتَعْبِيَةٍ، فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ أَنْ يُبَيِّتُوهُ، فَكَمَنُوا فِي زَيْتُونٍ عَلَى طَرِيقِهِ، فَخَرَجُوا عَلَيْهِ وَهُوَ يَسِيرُ عَلَى تَعْبِيَةٍ فَوَضَعُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>