عُمَرَ وِلَايَةَ الْعِرَاقِ بِعَهْدِ مَرْوَانَ لَهُ، وَابْنُ عُمَرَ يَمْتَنِعُ، وَسَارَ الضَّحَّاكُ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى وَاسِطَ وَاسْتَخْلَفَ مِلْجَانَ الشَّيْبَانِيَّ، وَنَزَلَ الضَّحَّاكُ بَابَ الْمِضْمَارِ.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ وَالنَّضْرُ تَرَكَا الْحَرْبَ بَيْنَهُمَا وَاتَّفَقَا عَلَى قِتَالِ الضَّحَّاكِ، فَلَمْ يَزَالُوا عَلَى ذَلِكَ شَعْبَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ وَالْقِتَالُ بَيْنَهُمْ مُتَوَاصِلٌ.
ثُمَّ إِنَّ مَنْصُورَ بْنَ جُمْهُورٍ قَالَ لِابْنِ عُمَرَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَؤُلَاءِ! فَلِمَ تُحَارِبُهُمْ وَتَشْغَلُهُمْ عَنْ مَرْوَانَ؟ أَعْطِهِمُ الرِّضَا وَاجْعَلْهُمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَرْوَانَ فَإِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَنَّا إِلَيْهِ وَيُوسِعُونَهُ شَرًّا، فَإِنْ ظَفِرُوا بِهِ كَانَ مَا أَرَدْتَ وَكُنْتَ عِنْدَهُمْ آمِنًا، وَإِنْ ظَفِرَ بِهِمْ وَأَرَدْتَ خِلَافَهُ وَقِتَالَهُ قَاتَلْتَهُ وَأَنْتَ مُسْتَرِيحٌ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا تَعْجَلْ حَتَّى نَنْظُرَ. فَلَحِقَ بِهِمْ مَنْصُورٌ، وَنَادَاهُمْ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُسْلِمَ وَأَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ وَهِيَ حُجَّتُهُمْ، فَدَخَلَ إِلَيْهِمْ وَبَايَعَهُمْ.
ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ خَرَجَ إِلَيْهِمْ فِي شَوَّالٍ فَصَالَحَهُمْ وَبَايَعَ الضَّحَّاكُ وَمَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ.
ذِكْرُ خَلْعِ أَبِي الْخَطَّارِ أَمِيرَ الْأَنْدَلُسِ وَإِمَارَةِ ثَوَابَةَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ خَلَعَ أَهْلُ الْأَنْدَلُسِ أَبَا الْخَطَّارِ الْحُسَامَ بْنَ ضِرَارٍ أَمِيرَهُمْ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الْأَنْدَلُسَ أَمِيرًا أَظْهَرَ الْعَصَبِيَّةَ لِلْيَمَانِيَّةِ عَلَى الْمُضَرِيَّةِ، فَاتَّفَقَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ أَنَّهُ اخْتَصَمَ رَجُلٌ مِنْ كِنَانَةَ وَرَجُلٌ مِنْ غَسَّانَ، فَاسْتَعَانَ الْكِنَانِيُّ بِالصُّمَيْلِ بْنِ حَاتِمِ بْنِ ذِي الْجَوْشَنِ الضَّبَابِيِّ، فَكَلَّمَ فِيهِ أَبَا الْخَطَّارِ، فَاسْتَغْلَظَ لَهُ أَبُو الْخَطَّارِ، فَأَجَابَهُ الصُّمَيْلُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُقِيمَ وَضُرِبَ قَفَاهُ، فَمَالَتْ عِمَامَتُهُ، فَلَمَّا خَرَجَ قِيلَ لَهُ: نَرَى عِمَامَتَكَ مَالَتْ! فَقَالَ: إِنْ كَانَ لِي قَوْمٌ فَسَيُقِيمُونَهَا.
وَكَانَ الصُّمَيْلُ مِنْ أَشْرَافِ مُضَرَ، فَلَمَّا دَخَلَ الْأَنْدَلُسَ مَعَ بَلْجٍ شَرُفَ فِيهَا بِنَفْسِهِ وَأَوَّلِيَّتِهِ. فَلَمَّا جَرَى لَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ جَمَعَ قَوْمَهُ وَأَعْلَمَهُمْ، فَقَالُوا لَهُ: نَحْنُ تَبَعٌ لَكَ. فَقَالَ: أُرِيدُ أَنْ أُخْرِجَ أَبَا الْخَطَّارِ مِنَ الْأَنْدَلُسِ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: افْعَلْ وَاسْتَعِنْ بِمَنْ شِئْتَ وَلَا تَسْتَعِنْ بِأَبِي عَطَاءٍ الْقَيْسِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ قَيْسٍ، وَكَانَ يُنَاظِرُ الصُّمَيْلَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute