للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَرْسَلَ [ابْنُ] عُمَرَ إِلَى النَّضْرِ: " إِنَّ هَذَا لَا يُرِيدُ غَيْرِي وَغَيْرَكَ فَهَلُمَّ نَجْتَمِعُ عَلَيْهِ ". فَتَعَاقَدَا عَلَيْهِ وَاجْتَمَعَا بِالْكُوفَةِ، وَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ. وَأَقْبَلَ الضَّحَّاكُ فَنَزَلَ بِالنُّخَيْلَةِ فِي رَجَبٍ وَاسْتَرَاحَ، ثُمَّ اسْتَعَدُّوا لِلْقِتَالِ يَوْمَ الْخَمِيسِ مِنْ غَدِ يَوْمِ نُزُولِهِ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَكَشَفُوا ابْنَ عُمَرَ وَقَتَلُوا أَخَاهُ عَاصِمًا وَجَعْفَرَ بْنَ الْعَبَّاسِ الْكِنْدِيَّ أَخَا عُبَيْدِ اللَّهِ، وَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ خَنْدَقَهُ، وَبَقِيَ الْخَوَارِجُ عَلَيْهِمْ إِلَى اللَّيْلِ ثُمَّ انْصَرَفُوا ثُمَّ اقْتَتَلُوا يَوْمَ الْجُمْعَةِ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ ابْنِ عُمَرَ فَدَخَلُوا خَنَادِقَهُمْ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا يَوْمَ السَّبْتِ تَسَلَّلَ أَصْحَابُهُ نَحْوَ وَاسِطَ، وَرَأَوْا قَوْمًا لَمْ يَرَوْا أَشَدَّ بَأْسًا مِنْهُمْ.

وَكَانَ مِمَّنْ لَحِقَ بِوَاسِطَ: النَّضْرُ بْنُ سَعِيدٍ الْحَرَشِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ أَخُو خَالِدٍ، وَمَنْصُورُ بْنُ جُمْهُورٍ، وَالْأَصْبَغُ بْنُ ذُؤَالَةَ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْوُجُوهِ، وَبَقِيَ ابْنُ عُمَرَ فِيمَنْ عِنْدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ لَمْ يَبْرَحْ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: قَدْ هَرَبَ النَّاسُ فَعَلَامَ تُقِيمُ؟ فَبَقِيَ يَوْمَيْنِ لَا يُرَى إِلَّا هَارِبًا، فَرَحَلَ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى وَاسِطَ، وَاسْتَوْلَى الضَّحَّاكُ عَلَى الْكُوفَةِ وَدَخَلَهَا، وَلَمْ يَأْمَنْهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ الْكِنْدِيُّ عَلَى نَفْسِهِ فَصَارَ مَعَ الضَّحَّاكِ وَبَايَعَهُ وَصَارَ فِي عَسْكَرِهِ، فَقَالَ أَبُو عَطَاءٍ السِّنْدِيُّ لَهُ، شِعْرٌ:

فَقُلْ لِعُبَيْدِ اللَّهِ لَوْ كَانَ جَعْفَرٌ ... هُوَ الْحَيُّ لَمْ يَجْنَحْ وَأَنْتَ قَتِيلُ

وَلَمْ يَتْبَعِ الْمُرَّاقُ وَالثَّارُ فِيهِمُ ... وَفِي كَفِّهِ عَضْبُ الذُّبَابِ صَقِيلُ

إِلَى مَعْشَرٍ أَرْدَوْا أَخَاكَ وَأْكَفَرُوا ... أَبَاكَ فَمَاذَا بَعْدَ ذَاكَ تَقُولُ

فَلَمَّا بَلَغَ عُبَيْدَ اللَّهِ هَذَا الْبَيْتُ مِنْ قَوْلِ أَبِي عَطَاءٍ قَالَ: أَقُولُ أَعَضَّكَ [اللَّهُ] بِبَظْرِ أُمِّكَ:

فَلَا وَصَلَتْكَ الرِّحْمُ مِنْ ذِي قَرَابَةٍ ... وَطَالِبُ وَتْرٍ وَالذَّلِيلُ ذَلِيلُ

تَرَكْتَ أَخَا شَيْبَانَ يَسْلُبُ بَزَّهُ ... وَنَجَّاكَ خَوَّارُ الْعِنَانِ مَطُولُ

وَوَصَلَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى وَاسِطَ فَنَزَلَ بِدَارِ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ. وَعَادَتِ الْحَرْبُ بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَالنَّضْرِ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ قُدُومِ الضَّحَّاكِ إِلَى النَّضْرِ يَطْلُبُ أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِ ابْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>