شَأَمْتَ الْعَرَبَ! فَأَمَّا إِذْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ فَشَمِّرْ عَنْ سَاقٍ. فَوَجَّهَ عِصْمَةَ فِي جَمْعٍ، فَوَقَفَ مَوْقِفَ سَالِمٍ فَنَادَى: يَا مُحَمَّدُ بْنَ الْمُثَنَّى! لَتَعْلَمَنَّ أَنَّ السَّمَكَ لَا يَأْكُلُ اللُّخْمَ، وَاللُّخْمُ دَابَّةٌ مِنْ دَوَابِّ الْمَاءِ تُشْبِهُ السَّبْعَ يَأْكُلُ السَّمَكَ. فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ: يَابْنَ الْفَاعِلَةِ قِفْ لَنَا إِذًا، وَأَمَرَ مُحَمَّدٌ السَّعْدِيَّ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ فِي أَهْلِ الْيَمَنِ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَانْهَزَمَ عِصْمَةُ حَتَّى أَتَى نَصْرًا وَقَدْ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَرْبَعُمِائَةٍ.
ثُمَّ أَرْسَلَ نَصْرٌ مَالِكَ بْنَ عَمْرٍو التَّمِيمِيَّ فِي أَصْحَابِهِ، فَنَادَى: يَابْنَ الْمُثَنَّى ابْرُزْ إِلَيَّ! فَبَرَزَ إِلَيْهِ، فَضَرَبَهُ مَالِكٌ عَلَى حَبَلِ عَاتِقِهِ فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، وَضَرَبَهُ مُحَمَّدٌ بِعَمُودٍ فَشَدَخَ رَأَسَهُ، وَالْتَحَمَ الْقِتَالُ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَانْهَزَمَ أَصْحَابُ نَصْرٍ وَقَدْ قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُمِائَةٍ، وَمِنْ أَصْحَابِ الْكَرْمَانِيِّ ثَلَاثُمِائَةٍ، وَلَمْ يَزَلِ الشَّرُّ بَيْنَهُمْ حَتَّى خَرَجُوا إِلَى الْخَنْدَقَيْنِ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا.
فَلَمَّا اسْتَيْقَنَ أَبُو مُسْلِمٍ أَنَّ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ قَدْ أَثْخَنَ صَاحِبَهُ، وَأَنَّهُ لَا مَدَدَ لَهُمْ، جَعَلَ يَكْتُبُ إِلَى شَيْبَانَ ثُمَّ يَقُولُ لِلرَّسُولِ: اجْعَلْ طَرِيقَكَ عَلَى مُضَرَ فَإِنَّهُمْ سَيَأْخُذُونَ كُتُبَكَ، فَكَانُوا يَأْخُذُونَهَا فَيَقْرَءُونَ فِيهَا: إِنِّي رَأَيْتُ [أَهْلَ] الْيَمَنِ لَا وَفَاءَ لَهُمْ وَلَا خَيْرَ فِيهِمْ، فَلَا تَثِقَنَّ بِهِمْ وَلَا تَطْمَئِنَّنَّ إِلَيْهِمْ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُرِيَكَ اللَّهُ فِي الْيَمَانِيَّةِ مَا تُحِبُّ، وَلَئِنْ بَقِيتُ لَا أَدْعُ لَهَا شَعْرًا وَلَا ظُفْرًا. وَيُرْسِلُ رَسُولًا آخَرَ بِكِتَابٍ فِيهِ ذِكْرُ مُضَرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَيَأْمُرُ الرَّسُولَ أَنْ يَجْعَلَ طَرِيقَهُ عَلَى الْيَمَانِيَّةِ، حَتَّى صَارَ هَوَى الْفَرِيقَيْنِ مَعَهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَكْتُبُ إِلَى نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ وَإِلَى الْكَرْمَانِيِّ: إِنَّ الْإِمَامَ أَوْصَانِي بِكُمْ وَلَسْتُ أَعْدُو رَأْيَهُ فِيكُمْ. وَكَتَبَ إِلَى الْكُوَرِ بِإِظْهَارِ الْأَمْرِ، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ سَوَّدَ أُسَيْدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيَّ بِنَسَا، وَمُقَاتِلَ بْنَ حَكِيمٍ، وَابْنَ غَزْوَانَ، وَنَادَوْا: يَا مُحَمَّدُ! يَا مَنْصُورُ! وَسَوَّدَ أَهْلُ أَبِيوَرْدَ وَأَهْلُ مَرْوِ الرُّوذِ وَقُرَى مَرْوَ.
وَأَقْبَلَ أَبُو مُسْلِمٍ حَتَّى نَزَلَ بَيْنَ خَنْدَقِ الْكَرْمَانِيِّ وَخَنْدَقِ نَصْرٍ، وَهَابَهُ الْفَرِيقَانِ، وَبَعَثَ إِلَى الْكَرْمَانِيِّ: إِنِّي مَعَكَ. فَقَبِلَ ذَلِكَ الْكَرْمَانِيُّ، فَانْضَمَّ أَبُو مُسْلِمٍ إِلَيْهِ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْكَرْمَانِيِّ: وَيْحَكَ لَا تَغْتَرَّ! فَوَاللَّهِ إِنِّي لَخَائِفٌ عَلَيْكَ وَعَلَى أَصْحَابِكَ مِنْهُ، فَادْخُلْ مَرْوَ وَنَكْتُبُ كِتَابًا بَيْنَنَا بِالصُّلْحِ. وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute