خَلْقِهِ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَفَتَشُكُّونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ فِيهِ حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ وَشَرَائِعُهُ وَأَنْبَاؤُهُ، وَأَخْبَرَ بِمَا كَانَ قَبْلَهُ وَبِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَفَتَشُكُّونَ أَنَّ اللَّهَ قَبَضَهُ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ رِسَالَةِ رَبِّهِ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَفَتَظُنُّونَ أَنَّ الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْهِ رُفِعَ مَعَهُ أَوْ خَلَّفَهُ؟ قَالُوا: بَلْ خَلَّفَهُ. قَالَ: أَفَتَظُنُّونَ خَلَّفَهُ عِنْدَ غَيْرِ عِتْرَتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَفَتَشُكُّونَ أَنَّ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ مَعْدِنُ الْعِلْمِ وَأَصْحَابُ مِيرَاثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي عَلَّمَهُ اللَّهُ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ: فَأَرَاكُمْ قَدْ شَكَكْتُمْ فِي أَمْرِكُمْ، وَرَدَدْتُمْ عَلَيْهِمْ عِلْمَهُمْ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُومَ بِأَمْرِهِمْ لَمْ يَبْعَثُوهُ إِلَيْكُمْ. وَهُوَ لَا يُتَّهَمُ فِي نُصْرَتِهِمْ وَمُوَالَاتِهِمْ وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِمْ.
فَبَعَثُوا إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ فَرَدُّوهُ مِنْ قُومِسَ بِقَوْلِ أَبِي دَاوُدَ وَوَلَّوْهُ أَمْرَهُمْ وَأَطَاعُوهُ، فَلَمْ تَزَلْ فِي نَفْسِ أَبِي مُسْلِمٍ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ، وَلَمْ يَزَلْ يَعْرِفُهَا لِأَبِي دَاوُدَ.
وَبَثَّ الدُّعَاةَ فِي أَقْطَارِ خُرَاسَانَ، فَدَخَلَ النَّاسُ أَفْوَاجًا وَكَثُرُوا، وَفَشَتِ الدُّعَاةُ بِخُرَاسَانَ كُلِّهَا، وَكَتَبَ إِلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ الْإِمَامُ أَنْ يُوَافِيَهُ فِي مَوْسِمِ سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ لِيَأْمُرَهُ بِأَمْرِهِ فِي إِظْهَارِ دَعْوَتِهِ، وَأَنْ يَقْدَمَ مَعَهُ قَحْطَبَةُ بْنُ شَبِيبٍ، وَيَحْمِلَ إِلَيْهِ مَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ. فَفَعَلَ ذَلِكَ وَسَارَ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ النُّقَبَاءِ وَالشِّيعَةِ، فَلَقِيَهُ كِتَابُ الْإِمَامِ يَأْمُرُهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى خُرَاسَانَ وَإِظْهَارِ الدَّعْوَةِ بِهَا، وَذَكَرَ قَرِيبًا مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ تَسْيِيرِ الْمَالِ مَعَ قَحْطَبَةَ، وَأَنَّ قَحْطَبَةَ سَارَ فَنَزَلَ بِنَوَاحِي جُرْجَانَ، فَاسْتَدْعَى خَالِدَ بْنَ بَرْمَكَ وَأَبَا عَوْنٍ، فَقَدِمَا عَلَيْهِ وَمَعَهُمَا مَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُمَا مِنْ مَالِ الشِّيعَةِ، فَأَخَذَ مِنْهُمَا وَسَارَ نَحْوَ إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامِ.
ذِكْرُ مَقْتَلِ الْكَرْمَانِيِّ
قَدْ ذَكَرْنَا مَقْتَلَ الْحَارِثِ بْنِ سُرَيْجٍ وَأَنَّ الْكَرْمَانِيَّ قَتَلَهُ، وَلَمَّا قَتَلَهُ خَلُصَتْ لَهُ مَرْوُ، وَتَنَحَّى نَصْرٌ عَنْهَا، فَأَرْسَلَ نَصْرٌ إِلَيْهِ سَالِمَ بْنَ أَحْوَزَ فِي رَابِطَتِهِ وَفُرْسَانِهِ، فَوَجَدَ يَحْيَى بْنَ نُعَيْمٍ الشَّيْبَانِيَّ وَاقِفًا فِي أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ رَبِيعَةَ، وَمُحَمَّدَ بْنَ الْمُثَنَّى فِي سَبْعِمِائَةٍ مِنْ فُرْسَانِ الْأَزْدِ، وَابْنَ الْحَسَنِ بْنِ الشَّيْخِ فِي أَلْفٍ مِنْ فِتْيَانِهِمْ، وَالْجَرْمِيَّ السَّعْدِيَّ فِي أَلْفٍ مِنْ أَبْنَاءِ الْيَمَنِ. فَقَالَ سَالِمٌ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: يَا مُحَمَّدُ قُلْ لِهَذَا الْمَلَّاحِ لِيَخْرُجْ إِلَيْنَا، يَعْنِي الْكَرْمَانِيَّ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَا ابْنَ الْفَاعِلَةِ لِأَبِي عَلِيٍّ تَقُولُ هَذَا! وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَانْهَزَمَ سَالِمُ بْنُ أَحْوَزَ وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ زِيَادَةٌ عَلَى مِائَةٍ، وَمِنْ أَصْحَابِ الْكَرْمَانِيِّ زِيَادَةٌ عَلَى عِشْرِينَ.
فَلَمَّا قَدِمَ أَصْحَابُ نَصْرٍ عَلَيْهِ مُنْهَزِمِينَ قَالَ لَهُ عِصْمَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيُّ: يَا نَصْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute