للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبْلِغْ يَزِيدَ وَخَيْرُ الْقَوْلِ أَصْدَقُهُ ... وَقَدْ تَيَقَّنْتُ أَنْ لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ

أَنَّ خُرَاسَانَ أَرْضٌ قَدْ رَأَيْتُ بِهَا ... بَيْضًا لَوْ افْرَخَ قَدْ حُدِّثْتَ بِالْعَجَبِ

فِرَاخُ عَامَيْنِ إِلَّا أَنَّهَا كَبِرَتْ ... لَمَّا يَطِرْنَ وَقَدْ سُرْبِلْنَ بِالزَّغَبِ

أَلَا تَدَارَكْ بِخَيْلِ اللَّهِ مُعْلِمَةً ... أَلْهَبْنَ نِيرَانَ حَرْبٍ أَيَّمَا لَهَبِ

فَقَالَ يَزِيدُ: لَا تُكْثِرْ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدِي رَجُلٌ.

فَلَمَّا قَرَأَ مَرْوَانُ كِتَابَ نَصْرٍ تَصَادَفَ وُصُولُ كِتَابِهِ وُصُولَ رَسُولٍ لِأَبِي مُسْلِمٍ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، وَقَدْ عَادَ مِنْ عِنْدِ إِبْرَاهِيمَ وَمَعَهُ جَوَابُ أَبِي مُسْلِمٍ يَلْعَنُهُ إِبْرَاهِيمُ وَيَسُبُّهُ حَيْثُ لَمْ يَنْتَهِزِ الْفُرْصَةَ مِنْ نَصْرٍ وَالْكَرْمَانِيِّ إِذْ أَمْكَنَاهُ، وَيَأْمُرُهُ أَنْ لَا يَدَعَ بِخُرَاسَانَ مُتَكَلِّمًا بِالْعَرَبِيَّةِ إِلَّا قَتَلَهُ. فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ كَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ بِالْبَلْقَاءِ لِيَسِيرَ إِلَى الْحُمَيْمَةِ وَلِيَأْخُذَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَيَشُدُّهُ وَثَاقًا وَيَبْعَثُ بِهِ إِلَيْهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَأَخَذَهُ مَرْوَانُ وَحَبَسَهُ.

ذِكْرُ تَعَاقُدِ أَهْلِ خُرَاسَانَ عَلَى أَبِي مُسْلِمٍ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تَعَاقَدَتْ عَامَّةُ قَبَائِلِ الْعَرَبِ بِخُرَاسَانَ عَلَى قِتَالِ أَبِي مُسْلِمٍ، وَفِيهَا تَحَوَّلَ أَبُو مُسْلِمٍ مِنْ مُعَسْكَرِهِ بِسَفِيذَنْجَ إِلَى الْمَاخُوَانِ.

وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ لَمَّا ظَهَرَ أَمْرُهُ سَارَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَجَعَلَ أَهْلُ مَرْوَ يَأْتُونَهُ وَلَا يَعْرِضُ لَهُمْ نَصْرٌ وَلَا يَمْنَعُهُمْ، وَكَانَ الْكَرْمَانِيُّ وَشَيْبَانُ لَا يَكْرَهَانِ أَمْرَ أَبِي مُسْلِمٍ لِأَنَّهُ دَعَا إِلَى خَلْعِ مَرْوَانَ، وَأَبُو مُسْلِمٍ فِي خِبَاءٍ لَيْسَ لَهُ حَرَسٌ وَلَا حِجَابٌ، وَعَظُمَ أَمْرُهُ عِنْدَ النَّاسِ وَقَالُوا: ظَهَرَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لَهُ حِلْمٌ وَوَقَارٌ وَسَكِينَةٌ. فَانْطَلَقَ فِتْيَةٌ مِنْ أَهْلِ مَرْوَ نُسَّاكٌ يَطْلُبُونَ الْفِقْهَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ فَسَأَلُوهُ عَنْ نَسَبِهِ، فَقَالَ: خَيْرِي خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ نَسَبِي، وَسَأَلُوهُ أَشْيَاءَ مِنَ الْفِقْهِ فَقَالَ: أَمْرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ هَذَا، وَنَحْنُ إِلَى عَوْنِكُمْ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَى مَسْأَلَتِكُمْ فَاعْفُونَا. فَقَالُوا: مَا نَعْرِفُ لَكَ نَسَبًا وَلَا نَظُنُّكَ تَبْقَى إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى تُقْتَلَ، وَمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَتَفَرَغَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْأَمِيرَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>