للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَتِ الْبَيْعَةُ: أُبَايِعُكُمْ [عَلَى] كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالطَّاعَةِ لِلرِّضَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ، وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالْمَشْيُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَعَلَى أَنْ لَا تَسْأَلُوا رِزْقًا وَلَا طُعْمًا حَتَّى يَبْتَدِئَكُمْ بِهِ وُلَاتُكُمْ.

(رُزَيْقٌ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ عَلَى الزَّايِ) .

ذِكْرُ هَرَبِ نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ مِنْ مَرْوَ

ثُمَّ أَرْسَلَ أَبُو مُسْلِمٍ لَاهِزَ بْنَ قُرَيْظٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَى نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ يَدْعُوهُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَالرِّضَاءِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا رَأَى مَا جَاءَهُ مِنَ الْيَمَانِيَّةِ وَالرَّبِيعِيَّةِ وَالْعَجَمِ، وَأَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِمْ أَظْهَرَ قَبُولَ مَا أَتَاهُ بِهِ، وَأَنَّهُ يَأْتِيهِ وَيُبَايِعُهُ، وَجَعَلَ يَرْبُثُهُمْ لِمَا هُمْ [بِهِ] مِنَ الْغَدْرِ وَالْهَرَبِ، إِلَى أَنْ أَمْسَوْا، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ لَيْلَتِهِمْ إِلَى مَكَانٍ يَأْمَنُونَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ سَالِمُ بْنُ أَحْوَزَ: لَا يَتَهَيَّأُ لَنَا الْخُرُوجُ (اللَّيْلَةَ وَلَكِنَّنَا نَخْرُجُ) الْقَابِلَةَ.

فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ عَبَّأَ أَبُو مُسْلِمٍ أَصْحَابَهُ وَكَتَائِبَهُ إِلَى بَعْدِ الظُّهْرِ، وَأَعَادَ إِلَى نَصْرٍ لَاهِزَ بْنَ قُرَيْظٍ وَجَمَاعَةً مَعَهُ، فَدَخَلُوا عَلَى نَصْرٍ. فَقَالَ: مَا أَسْرَعَ مَا عُدْتُمْ! فَقَالَ لَهُ لَاهِزُ بْنُ قُرَيْظٍ: لَا بُدَّ لَكَ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ نَصْرٌ: إِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنِّي أَتَوَضَّأُ وَأَخْرُجُ إِلَيْهِ، وَأُرْسِلُ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ، فَإِنْ كَانَ هَذَا رَأْيُهُ وَأَمْرُهُ أَتَيْتُهُ، وَأَتَهَيَّأُ إِلَى أَنْ يَجِيءَ رَسُولِي. فَقَامَ نَصْرٌ، فَلَمَّا قَامَ قَرَأَ لَاهِزُ بْنُ قُرَيْظٍ: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} [القصص: ٢٠] . فَدَخَلَ نَصْرٌ مَنْزِلَهُ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ انْصِرَافَ رَسُولِهِ مِنْ عِنْدِ أَبِي مُسْلِمٍ. فَلَمَّا جَنَّهُ اللَّيْلُ خَرَجَ مِنْ خَلْفِ حُجْرَتِهِ وَمَعَهُ تَمِيمٌ ابْنُهُ وَالْحَكَمُ بْنُ نُمَيْلَةَ النُّمَيْرِيُّ وَامْرَأَتُهُ الْمَرْزُبَانَةُ وَانْطَلَقُوا هُرَّابًا، فَلَمَّا اسْتَبْطَأَهُ لَاهِزٌ وَأَصْحَابُهُ دَخَلُوا مَنْزِلَهُ فَوَجَدُوهُ قَدْ هَرَبَ.

فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا مُسْلِمٍ سَارَ إِلَى مُعَسْكَرِ نَصْرٍ، وَأَخَذَ ثِقَاتِ أَصْحَابِهِ وَصَنَادِيدَهُمْ فَكَتَّفَهُمْ، وَكَانَ فِيهِمْ سَالِمُ بْنُ أَحْوَزَ صَاحِبُ شُرْطَةِ نَصْرٍ، وَالْبَخْتَرِيُّ كَاتِبُهُ، وَابْنَانِ لَهُ، وَيُونُسُ بْنُ عَبْدَوَيْهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ قَطَنٍ، وَمُجَاهِدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حُضَيْنٍ، وَغَيْرُهُمْ، فَاسْتَوْثَقَ مِنْهُمْ بِالْحَدِيدِ، وَكَانُوا فِي الْحَبْسِ عِنْدَهُ، وَسَارَ أَبُو مُسْلِمٍ وَابْنُ الْكَرْمَانِيِّ فِي طَلَبِ نَصْرٍ لَيْلَتَهُمَا، فَأَدْرَكَا امْرَأَتَهُ قَدْ خَلَّفَهَا وَسَارَ، فَرَجَعَ أَبُو مُسْلِمٍ وَابْنُ الْكَرْمَانِيِّ إِلَى مَرْوَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>