ذِكْرُ دُخُولِ قَحْطَبَةَ الرَّيَّ
وَلَمَّا مَاتَ نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ بَعَثَ الْحَسَنُ بْنُ قَحْطَبَةَ خُزَيْمَةَ بْنَ خَازِمٍ إِلَى سَمْنَانَ، وَأَقْبَلَ قَحْطَبَةُ مِنْ جُرْجَانَ، وَقَدَّمَ أَمَامَهُ زِيَادَ بْنَ زُرَارَةَ الْقُشَيْرِيَّ، وَكَانَ قَدْ نَدِمَ عَلَى اتِّبَاعِ أَبِي مُسْلِمٍ، فَانْخَذَلَ عَنْ قَحْطَبَةَ فَأَخَذَ طَرِيقَ أَصْبَهَانَ يُرِيدُ أَنْ يَأْتِيَ عَامِرَ بْنَ ضُبَارَةَ، فَوَجَّهَ قَحْطَبَةُ الْمُسَيَّبَ بْنَ زُهَيْرٍ الضَّبِّيَّ، فَلَحِقَهُ مِنْ غَدٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَاتَلَهُ، فَانْهَزَمَ زِيَادٌ وَقُتِلَ عَامَّةُ مَنْ مَعَهُ، وَرَجَعَ الْمُسَيَّبُ بْنُ زُهَيْرٍ إِلَى قَحْطَبَةَ.
ثُمَّ سَارَ قَحْطَبَةُ إِلَى قُومِسَ، وَبِهَا ابْنُهُ الْحَسَنُ، وَقَدِمَ خُزَيْمَةُ بْنُ خَازِمٍ سَمْنَانَ، فَقَدَّمَ قَحْطَبَةُ ابْنَهُ الْحَسَنَ إِلَى الرَّيِّ.
وَبَلَغَ حَبِيبَ بْنَ بُدَيْلٍ النَّهْشَلِيَّ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مَسِيرُ الْحَسَنِ، فَخَرَجُوا عَنِ الرَّيِّ، وَدَخَلَ الْحَسَنُ فِي صَفَرٍ فَأَقَامَ حَتَّى قَدِمَ أَبُوهُ، وَلَمَّا قَدِمَ قَحْطَبَةُ الرَّيَّ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ.
وَلَمَّا اسْتَقَرَّ أَمْرُ بَنِي الْعَبَّاسِ بِالرَّيِّ هَرَبَ أَكْثَرُ أَهْلِهَا لِمَيْلِهِمْ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا سُفْيَانِيَّةً، فَأَمَرَ أَبُو مُسْلِمٍ بِأَخْذِ أَمْلَاكِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَلَمَّا عَادُوا مِنَ الْحَجِّ أَقَامُوا بِالْكُوفَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، ثُمَّ كَتَبُوا إِلَى السَّفَّاحِ يَتَظَلَّمُونَ مِنْ أَبِي مُسْلِمٍ، فَأَمَرَ بِرَدِّ أَمْلَاكِهِمْ فَأَعَادَ أَبُو مُسْلِمٍ الْجَوَابَ يُعَرِّفُ حَالَهُمْ وَأَنَّهُمْ أَشَدُّ الْأَعْدَاءِ، فَلَمْ يَسْمَعْ قَوْلَهُ وَعَزَمَ عَلَى أَبِي مُسْلِمٍ بِرَدِّ أَمْلَاكِهِمْ، فَفَعَلَ.
وَلَمَّا دَخَلَ قَحْطَبَةُ الرَّيَّ وَأَقَامَ بِهَا أَخَذَ أَمْرَهُ بِالْحَزْمِ وَالِاحْتِيَاطِ وَالْحِفْظِ وَضَبْطِ الطُّرُقِ، وَكَانَ لَا يَسْلُكُهَا أَحَدٌ إِلَّا بِجَوَازٍ مِنْهُ، فَأَقَامَ بِالرَّيِّ وَبَلَغَهُ أَنَّ بِدَسْتَبَى قَوْمًا مِنَ الْخَوَارِجِ وَصَعَالِيكَ تَجَمَّعُوا بِهَا، فَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ أَبَا عَوْنٍ فِي عَسْكَرٍ كَثِيفٍ، فَنَازَلَهُمْ وَدَعَاهُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَإِلَى الرِّضَاءِ مِنْ آلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُجِيبُوهُ، فَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى ظَفِرَ بِهِمْ، فَتَحَصَّنَ عِدَّةٌ مِنْهُمْ حَتَّى آمَنَهُمْ أَبُو عَوْنٍ، فَخَرَجُوا إِلَيْهِ، وَأَقَامَ مَعَهُ بَعْضُهُمْ وَتَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ.
وَكَتَبَ أَبُو مُسْلِمٍ إِلَى أَصْبَهْبَذْ طَبَرِسْتَانَ يَدْعُوهُ إِلَى الطَّاعَةِ وَأَدَاءِ الْخَرَاجِ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَكَتَبَ إِلَى الْمَصْمَغَانِ صَاحِبِ دُنْبَاوَنْدَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَأَجَابَهُ: إِنَّمَا أَنْتَ خَارِجِيٌّ وَإِنَّ أَمْرَكَ سَيَنْقَضِي.
فَغَضِبَ أَبُو مُسْلِمٍ وَكَتَبَ إِلَى مُوسَى بْنِ كَعْبٍ، وَهُوَ بِالرَّيِّ، يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ وَقِتَالِهِ إِلَى أَنْ يُذْعِنَ بِالطَّاعَةِ، فَسَارَ إِلَيْهِ وَرَاسَلَهُ، فَامْتَنَعَ مِنَ الطَّاعَةِ وَأَدَاءِ الْخَرَاجِ، فَأَقَامَ مُوسَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute