وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْمَصْمَغَانِ لِضِيقِ بِلَادِهِ، وَكَانَ الْمَصْمَغَانُ يُرْسِلُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ عِدَّةً كَثِيرَةً مِنَ الدَّيْلَمِ يُقَاتِلُهُ فِي عَسْكَرِهِ، وَأَخَذَ عَلَيْهِ الطُّرُقَ، وَمَنَعَ الْمِيرَةَ، وَكَثُرَتْ فِي أَصْحَابِ مُوسَى الْجِرَاحُ وَالْقَتْلُ.
فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ غَرَضًا عَادَ إِلَى الرَّيِّ، وَلَمْ يَزَلِ الْمَصْمَغَانُ مُمْتَنِعًا إِلَى أَيَّامِ الْمَنْصُورِ، فَأَغْزَاهُ جَيْشًا كَثِيفًا عَلَيْهِمْ حَمَّادُ بْنُ عَمْرٍو، فَفَتَحَ دُنْبَاوَنْدَ عَلَى يَدِهِ.
وَلَمَّا وَرَدَ كِتَابُ قَحْطَبَةَ عَلَى أَبِي مُسْلِمٍ بِنُزُولِهِ الرَّيَّ ارْتَحَلَ أَبُو مُسْلِمٍ، فِيمَا ذُكِرَ، عَنْ مَرْوَ فَنَزَلَ نَيْسَابُورَ.
وَأَمَّا قَحْطَبَةُ فَإِنَّهُ سَيَّرَ ابْنَهُ الْحَسَنَ بَعْدَ نُزُولِهِ الرَّيَّ بِثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَى هَمَذَانَ، فَلَمَّا تَوَجَّهَ إِلَيْهَا سَارَ عَنْهَا مَالِكُ بْنُ أَدْهَمَ وَمَنْ كَانَ بِهَا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ خُرَاسَانَ إِلَى نَهَاوَنْدَ فَأَقَامَ بِهَا، وَفَارَقَهُ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَدَخَلَ الْحَسَنُ هَمَذَانَ وَسَارَ مِنْهَا إِلَى نَهَاوَنْدَ فَنَزَلَ عَلَى أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَأَمَدَّهُ قَحْطَبَةُ بِأَبِي الْجَهْمِ بْنِ عَطِيَّةَ مَوْلَى بَاهِلَةَ فِي سَبْعِمِائَةٍ، وَأَطَالَ حَتَّى أَطَافَ بِالْمَدِينَةِ وَحَصَرَهُمْ.
ذِكْرُ قَتْلِ عَامِرِ بْنِ ضُبَارَةَ وَدُخُولِ قَحْطَبَةَ أَصْبَهَانَ
وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ لَمَّا هَزَمَهُ ابْنُ ضُبَارَةَ مَضَى هَارِبًا نَحْوَ خُرَاسَانَ، وَسَلَكَ إِلَيْهَا طَرِيقَ كَرْمَانَ وَسَارَ عَامِرٌ فِي أَثَرِهِ. وَبَلَغَ ابْنَ هُبَيْرَةَ مَقْتَلُ نَبَاتَةَ بْنِ حَنْظَلَةَ بِجُرْجَانَ، فَلَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُهُ كَتَبَ إِلَى ابْنِ ضُبَارَةَ وَإِلَى ابْنِهِ دَاوُدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ هُبَيْرَةَ أَنْ يَسِيرَا إِلَى قَحْطَبَةَ، وَكَانَا بِكَرْمَانَ، فَسَارَا فِي خَمْسِينَ أَلْفًا، فَنَزَلُوا بِأَصْبَهَانَ، وَكَانَ يُقَالُ لِعَسْكَرِ ابْنِ ضُبَارَةَ عَسْكَرُ الْعَسَاكِرِ.
فَبَعَثَ قَحْطَبَةُ إِلَيْهِمْ جَمَاعَةً مِنَ الْقُوَّادِ، وَعَلَيْهِمْ جَمِيعًا مُقَاتِلُ بْنُ حَكِيمٍ الْعَكِّيُّ، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا قُمَّ.
وَبَلَغَ ابْنَ ضُبَارَةَ نُزُولُ الْحَسَنِ بْنِ قَحْطَبَةَ بِنَهَاوَنْدَ فَسَارَ لِيُعِينَ مَنْ بِهَا مِنْ أَصْحَابِ مَرْوَانَ، فَأَرْسَلَ الْعَكِّيُّ مِنْ قُمَّ إِلَى قَحْطَبَةَ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ، فَأَقْبَلَ قَحْطَبَةُ مِنَ الرَّيِّ حَتَّى لَحِقَ مُقَاتِلَ بْنَ حَكِيمٍ الْعَكِّيَّ، ثُمَّ سَارَ فَالْتَقَوْا هُمْ وَابْنُ ضُبَارَةَ وَدَاوُدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ هُبَيْرَةَ، وَكَانَ عَسْكَرُ قَحْطَبَةَ عِشْرِينَ أَلْفًا، فِيهِمْ خَالِدُ بْنُ بَرْمَكَ! وَكَانَ عَسْكَرُ ابْنُ ضُبَارَةَ مِائَةَ أَلْفٍ، وَقِيلَ: خَمْسِينَ وَمِائَةَ أَلْفٍ، فَأَمَرَ قَحْطَبَةُ بِمُصْحَفٍ فَنُصِبَ عَلَى رُمْحٍ، وَنَادَى: يَا أَهْلَ الشَّامِ! إِنَّا نَدْعُوكُمْ إِلَى مَا فِي هَذَا الْمُصْحَفِ! فَشَتَمُوهُ وَأَفْحَشُوهُ فِي الْقَوْلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute