للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَرْسَلَ قَحْطَبَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ يَأْمُرُهُمْ بِالْحَمْلَةِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمُ الْعَكِّيُّ، وَتَهَايَجَ النَّاسُ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ كَثِيرُ قِتَالٍ، حَتَّى انْهَزَمَ أَهْلُ الشَّامِ وَقُتِلُوا قَتْلًا ذَرِيعًا، وَانْهَزَمَ ابْنُ ضُبَارَةَ حَتَّى دَخَلَ عَسْكَرَهُ وَتَبِعَهُ قَحْطَبَةُ، فَنَزَلَ ابْنُ ضُبَارَةَ وَنَادَى: إِلَيَّ إِلَيَّ! فَانْهَزَمَ النَّاسُ عَنْهُ وَانْهَزَمَ دَاوُدُ بْنُ هُبَيْرَةَ، فَسَأَلَ عَنِ ابْنِ ضُبَارَةَ فَقِيلَ: انْهَزَمَ. فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ شَرَّنَا مُنْقَلَبًا! وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.

وَأَصَابُوا عَسْكَرَهُ، وَأَخَذُوا مِنْهُ مَا لَا يُعْلَمُ قَدْرُهُ مِنَ السِّلَاحِ وَالْمَتَاعِ وَالرَّقِيقِ وَالْخَيْلِ، وَمَا رُئِيَ عَسْكَرٌ قَطُّ كَانَ فِيهِ مِنْ أَصْنَافِ الْأَشْيَاءِ مَا فِي هَذَا الْعَسْكَرِ كَأَنَّهُ مَدِينَةٌ. وَكَانَ فِيهِ مِنَ الْبَرَابِطِ وَالطَّنَابِيرِ وَالْمَزَامِيرِ وَالْخَمْرِ مَا لَا يُحْصَى.

وَأَرْسَلَ قَحْطَبَةُ بِالظَّفَرِ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ وَهُوَ بِنَهَاوَنْدَ، وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ بِنَوَاحِي أَصْبَهَانَ فِي رَجَبٍ.

ذِكْرُ مُحَارَبَةِ قَحْطَبَةَ أَهْلَ نَهَاوَنْدَ وَدُخُولِهَا

وَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ ضُبَارَةَ كَتَبَ قَحْطَبَةُ بِذَلِكَ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ وَهُوَ يُحَاصِرُ نَهَاوَنْدَ، فَلَمَّا أَتَاهُ الْكِتَابُ كَبَّرَ هُوَ وَجُنْدُهُ وَنَادَوْا بِقَتْلِهِ، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عُمَيْرٍ السَّعْدِيُّ: مَا نَادَى هَؤُلَاءِ بِقَتْلِهِ إِلَّا وَهُوَ حَقٌّ! فَاخْرُجُوا إِلَى الْحَسَنِ بْنِ قَحْطَبَةَ فَإِنَّكُمْ لَا تَقُومُونَ لَهُ فَتَذْهَبُونَ حَيْثُ شِئْتُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ أَبُوهُ أَوْ مَدَدٌ مِنْ عِنْدِهِ.

فَقَالَتِ الرَّجَّالَةُ: تَخْرُجُونَ وَأَنْتُمْ فُرْسَانٌ عَلَى خُيُولٍ وَتَتْرُكُونَنَا؟ وَقَالَ لَهُ مَالِكُ بْنُ أَدْهَمَ الْبَاهِلِيُّ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى يَقْدَمَ عَلِيَّ قَحْطَبَةُ.

وَأَقَامَ قَحْطَبَةُ عَلَى أَصْبَهَانَ عِشْرِينَ يَوْمًا، ثُمَّ سَارَ فَقَدِمَ عَلَى ابْنِهِ بِنَهَاوَنْدَ فَحَصَرَهُمْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ: شَعْبَانُ وَرَمَضَانُ وَشَوَّالٌ، وَوَضَعَ عَلَيْهِمُ الْمَجَانِيقَ، وَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ بِنَهَاوَنْدَ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ وَأَعْطَاهُمُ الْأَمَانَ، فَأَبَوْا ذَلِكَ.

ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَأَجَابُوهُ وَقَبِلُوا أَمَانَهُ، وَبَعَثُوا إِلَيْهِ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يَشْغَلَ عَنْهُمْ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِالْقِتَالِ لِيَفْتَحُوا لَهُ الْبَابَ الَّذِي يَلِيهِمْ، فَفَعَلَ ذَلِكَ قَحْطَبَةُ وَقَاتَلَهُمْ، فَفَتَحَ أَهْلُ الشَّامِ الْبَابَ، فَخَرَجُوا، فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ خُرَاسَانَ ذَلِكَ سَأَلُوهُمْ عَنْ خُرُوجِهِمْ، فَقَالُوا: أَخَذْنَا الْأَمَانَ لَنَا وَلَكُمْ. فَخَرَجَ رُؤَسَاءُ أَهْلِ خُرَاسَانَ، فَدَفَعَ قَحْطَبَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>