للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُؤْمِنِينَ! حَفِظَ اللَّهُ لَكَ مِنْ أَمْرِكَ مَا تُحِبُّ حِفْظَهُ، نَحْنُ بَنَاتُكَ وَبَنَاتُ أَخِيكَ، وَابْنِ عَمِّكَ فَلْيَسَعْنَا مِنْ عَفْوِكُمْ مَا وَسِعَكُمْ مِنْ جَوْرِنَا.

قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَسْتَبْقِي مِنْكُمْ وَاحِدًا! أَلَمْ يَقْتُلْ أَبُوكِ ابْنَ أَخِي إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامَ؟ أَلَمْ يَقْتُلْ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ زَيْدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَصَلَبَهُ فِي الْكُوفَةِ؟ أَلَمْ يَقْتُلِ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ يَحْيَى بْنَ زَيْدٍ، وَصَلَبَهُ بِخُرَاسَانَ؟ أَلَمْ يَقْتُلِ ابْنُ زِيَادٍ الدَّعِيُّ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ؟ أَلَمْ يَقْتُلْ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وَأَهْلَ بَيْتِهِ؟ أَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِ بِحُرَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَايَا فَوَقَّفَهُنَّ مَوْقِفَ السَّبْيِ؟ أَلَمْ يَحْمِلْ رَأْسَ الْحُسَيْنِ وَقَدْ قَرَعَ دِمَاغَهُ؟ فَمَا الَّذِي يَحْمِلُنِي عَلَى الْإِبْقَاءِ عَلَيْكُنَّ؟ ! قَالَتْ: فَلْيَسَعْنَا عَفْوُكُمْ! فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَنَعَمْ، وَإِنْ أَحْبَبْتِ زَوَّجْتُكِ ابْنِيَ الْفَضْلَ! فَقَالَتْ: وَأَيُّ عِزٍّ خَيْرٌ مِنْ هَذَا! بَلْ تُلْحِقُنَا بِحَرَّانَ. فَحَمَلَهُنَّ إِلَيْهَا، فَلَمَّا دَخَلْنَهَا وَرَأَيْنَ مَنَازِلَ مَرْوَانَ رَفَعْنَ أَصْوَاتَهُنَّ بِالْبُكَاءِ.

قِيلَ: كَانَ يَوْمًا بُكَيْرُ بْنُ مَاهَانَ مَعَ أَصْحَابِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ مَرْوَانُ يَتَحَدَّثُ، إِذْ مَرَّ بِهِ عَامِرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ، فَأَتَى دِجْلَةَ وَاسْتَقَى مِنْ مَائِهَا ثُمَّ رَجَعَ، فَدَعَاهُ بُكَيْرٌ، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ يَا فَتَى؟ قَالَ: عَامِرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْحَارِثِ. قَالَ: فَكُنْ [مِنْ] بَنِي مُسْلِيَةَ. قَالَ: فَأَنَا مِنْهُمْ. قَالَ: أَنْتَ وَاللَّهِ تَقْتُلُ مَرْوَانَ! فَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي قَوَّى طَمَعَ عَامِرٍ فِي قَتْلِ مَرْوَانَ.

وَلَمَّا قُتِلَ مَرْوَانُ كَانَ عُمُرُهُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَقِيلَ: تِسْعًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ مِنْ حِينِ بُويِعَ إِلَى أَنْ قُتِلَ خَمْسَ سِنِينَ وَعَشَرَةَ أَشْهُرٍ وَسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَكَانَ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الْمَلِكِ.

وَكَانَتْ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ كُرْدِيَّةً، كَانَتْ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَشْتَرِ، أَخَذَهَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ يَوْمَ قَتْلِ إِبْرَاهِيمَ، فَوَلَدَتْ مَرْوَانَ، فَلِهَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ الْمَنْتُوفُ لِلسَّفَّاحِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَبْدَلَنَا بِحِمَارِ الْجَزِيرَةِ وَابْنِ أَمَةِ النَّخَعِ ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.

وَكَانَ مَرْوَانُ يُلَقَّبُ بِالْحِمَارِ، وَالْجَعْدِيِّ لِأَنَّهُ تَعَلَّمَ مِنَ الْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ مَذْهَبَهُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>