للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا قُتِلَ أَبُو سَلَمَةَ وَجَّهَ السَّفَّاحُ أَخَاهُ أَبَا جَعْفَرٍ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي مُسْلِمٍ سَايَرَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْأَعْرَجُ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ لِعُبَيْدِ اللَّهِ: يَا هَذَا، إِنَّا كُنَّا نَرْجُو أَنْ يَتِمَّ أَمْرُكُمْ، فَإِذَا شِئْتُمْ فَادْعُونَا إِلَى مَا تُرِيدُونَ.

فَظَنَّ عُبَيْدُ اللَّهِ أَنَّهُ دَسِيسٌ مِنْ أَبِي مُسْلِمٍ، فَأَتَى أَبَا مُسْلِمٍ فَأَخْبَرَهُ وَخَافَ أَنْ يُعْلِمَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَأَحْضَرَ أَبُو مُسْلِمٍ سُلَيْمَانَ بْنَ كَثِيرٍ، وَقَالَ لَهُ: أَتَحْفَظُ قَوْلَ الْإِمَامِ لِي مَنِ اتَّهَمْتَهُ فَاقْتُلْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي قَدْ اتَّهَمْتُكَ. قَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ! قَالَ: لَا تُنَاشِدْنِي، فَأَنْتَ مُنْطَوٍ عَلَى غِشِّ الْإِمَامِ، وَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ.

وَرَجَعَ أَبُو جَعْفَرٍ إِلَى السَّفَّاحِ فَقَالَ: لَسْتَ خَلِيفَةً، وَلَا أَمْرُكَ بِشَيْءٍ إِنْ تَرَكْتَ أَبَا مُسْلِمٍ وَلَمْ تَقْتُلْهُ. قَالَ. وَكَيْفَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا يَصْنَعُ إِلَّا مَا أَرَادَ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: فَاكْتُمْهَا.

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ إِنَّمَا سَارَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ أَبُو سَلَمَةَ.

وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ السَّفَّاحَ لَمَّا ظَهَرَ تَذَاكَرُوا مَا صَنَعَ أَبُو سَلَمَةَ، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ هُنَاكَ: لَعَلَّ مَا صَنَعَ كَانَ مِنْ رَأْيِ أَبِي مُسْلِمٍ. فَقَالَ السَّفَّاحُ: لَئِنْ كَانَ هَذَا عَنْ رَأْيِهِ إِنَّا لَنَعْرِفَنَّ بَلَاءً إِلَّا أَنْ يَدْفَعَهُ اللَّهُ عَنَّا. وَأَرْسَلَ أَخَاهُ أَبَا جَعْفَرٍ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ لِيَعْلَمَ رَأْيَهُ. فَسَارَ إِلَيْهِ وَأَعْلَمَهُ مَا كَانَ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، فَأَرْسَلَ مِرَّارَ بْنَ أَنَسٍ فَقَتَلَهُ.

ذِكْرُ مُحَاصَرَةِ ابْنِ هُبَيْرَةَ بِوَاسِطَ

قَدْ ذَكَرْنَا مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ يَزِيدَ بْنِ هُبَيْرَةَ وَالْجَيْشِ الَّذِينَ لَقُوهُ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ مَعَ قَحْطَبَةَ، ثُمَّ مَعَ ابْنِهِ الْحَسَنِ، وَانْهِزَامَهُ إِلَى وَاسِطَ وَتَحَصُّنَهُ بِهَا، وَكَانَ لَمَّا انْهَزَمَ قَدْ وَكَّلَ بِالْأَثْقَالِ قَوْمًا، فَذَهَبُوا بِهَا، فَقَالَ لَهُ حَوْثَرَةُ: أَيْنَ تَذْهَبُ وَقَدْ قُتِلَ صَاحِبُهُمْ؟ يَعْنِي قَحْطَبَةَ، امْضِ إِلَى الْكُوفَةِ وَمَعَكَ جُنْدٌ كَثِيرٌ، فَقَاتِلْهُمْ حَتَّى تُقْتَلَ أَوْ تَظْفَرَ. قَالَ: بَلْ نَأْتِي وَاسِطَ فَنَنْظُرُ. قَالَ: مَا تَزِيدُ عَلَى أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِكَ وَتُقْتَلَ.

وَقَالَ يَحْيَى بْنُ حُضَيْنٍ: إِنَّكَ لَوْ تَأْتِي مَرْوَانَ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْجُنُودِ، فَالْزَمِ الْفُرَاتَ حَتَّى تَأْتِيَهُ، وَإِيَّاكَ وَوَاسِطَ فَتَصِيرُ فِي حِصَارٍ، وَلَيْسَ بَعْدَ الْحَصْرِ إِلَّا الْقَتْلُ. فَأَبَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>