وَكَانَ يَخَافُ مَرْوَانَ لِأَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ إِلَيْهِ بِالْأَمْرِ فَيُخَالِفُهُ، فَخَافَ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَأَتَى وَاسِطَ فَتَحَصَّنَ بِهَا، وَسَيَّرَ أَبُو سَلَمَةَ إِلَيْهِ الْحَسَنَ بْنَ قَحْطَبَةَ فَحَصَرَهُ، وَأَوَّلُ وَقْعَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ. .
قَالَ أَهْلُ الشَّامِ لِابْنِ هُبَيْرَةَ: ايذَنْ لَنَا فِي قِتَالِهِمْ. فَأَذِنَ لَهُمْ، فَخَرَجُوا وَخَرَجَ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَعَلَى مَيْمَنَتِهِ ابْنُهُ دَاوُدُ، فَالْتَقَوْا وَعَلَى مَيْمَنَةِ الْحَسَنِ خَازِمُ بْنُ خُزَيْمَةَ، فَحَمَلَ خَازِمٌ عَلَى ابْنِ هُبَيْرَةَ، فَانْهَزَمَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ وَغَصَّ الْبَابُ بِالنَّاسِ، وَرَمَى أَصْحَابُهُ بِالْعَرَّادَاتِ.
وَرَجَعَ أَهْلُ الشَّامِ، فَكَرَّ عَلَيْهِمُ الْحَسَنُ وَاضْطَرَّهُمْ إِلَى دِجْلَةَ، فَغَرِقَ مِنْهُمْ نَاسٌ كَثِيرٌ، فَتَلَقَّوْهُمْ بِالسُّفُنِ وَتَحَاجَزُوا، فَمَكَثُوا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ خَرَجُوا إِلَيْهِمْ، فَاقْتَتَلُوا، وَانْهَزَمَ أَهْلُ الشَّامِ هَزِيمَةً قَبِيحَةً، فَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ، فَمَكَثُوا مَا شَاءَ اللَّهُ لَا يُقَاتِلُونَ إِلَّا رَمْيًا.
وَبَلَغَ ابْنَ هُبَيْرَةَ، وَهُوَ فِي الْحِصَارِ، أَنَّ أَبَا أُمَيَّةَ التَّغْلِبِيَّ قَدْ سَوَّدَ فَأَخَذَهُ وَحَبَسَهُ، فَتَكَلَّمَ نَاسٌ مِنْ رَبِيعَةَ فِي ذَلِكَ وَمَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ الشَّيْبَانِيُّ، وَأَخَذُوا ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِنْ فَزَارَةَ رَهْطِ ابْنِ هُبَيْرَةَ فَحَبَسُوهُمْ.
(وَشَتَمُوا ابْنَ هُبَيْرَةَ) وَقَالُوا: لَا نَتْرُكُ مَا فِي أَيْدِينَا حَتَّى يَتْرُكَ ابْنُ هُبَيْرَةَ صَاحِبَنَا. وَأَبَى ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنْ يُطْلِقَهُ، فَاعْتَزَلَ مَعْنٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بَشِيرٍ الْعِجْلِيُّ فِيمَنْ مَعَهُمَا. فَقِيلَ لِابْنِ هُبَيْرَةَ: هَؤُلَاءِ فُرْسَانُكَ قَدْ أَفْسَدْتَهُمْ، وَإِنْ تَمَادَيْتَ فِي ذَلِكَ كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْكَ مِمَّنْ حَصَرَكَ. فَدَعَا أَبَا أُمَيَّةَ فَكَسَاهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَاصْطَلَحُوا وَعَادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ.
وَقَدِمَ أَبُو نَصْرٍ مَالِكُ بْنُ الْهَيْثَمِ مِنْ نَاحِيَةِ سِجِسْتَانَ إِلَى الْحَسَنِ، فَأَوْفَدَ الْحَسَنُ وَفْدًا إِلَى السَّفَّاحِ بِقُدُومِ أَبِي نَصْرٍ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ عَلَى الْوَفْدِ غَيْلَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيَّ، وَكَانَ غَيْلَانُ وَاجِدًا عَلَى الْحَسَنِ لِأَنَّهُ سَرَّحَهُ إِلَى رَوْحِ بْنِ حَاتِمٍ مَدَدًا لَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى السَّفَّاحِ وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّكَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَأَنَّكَ إِمَامُ الْمُتَّقِينَ.
قَالَ: حَاجَتُكَ يَا غَيْلَانُ؟ قَالَ: أَسْتَغْفِرُكَ. قَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ. قَالَ غَيْلَانُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مُنَّ عَلَيْنَا بِرَجُلٍ مِنْ [أَهْلِ] بَيْتِكَ. قَالَ: أَوَلَيْسَ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي الْحَسَنُ بْنُ قَحْطَبَةَ؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مُنَّ عَلَيْنَا بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ نَنْظُرْ إِلَى وَجْهِهِ، وَتَقَرَّ عَيْنُنَا بِهِ. فَبَعَثَ أَخَاهُ أَبَا جَعْفَرٍ لِقِتَالِ ابْنِ هُبَيْرَةَ عِنْدَ رُجُوعِهِ مِنْ خُرَاسَانَ.
وَكَتَبَ إِلَى الْحَسَنِ: إِنَّ الْعَسْكَرَ عَسْكَرُكَ، وَالْقُوَّادَ قُوَّادُكَ، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ أَخِي حَاضِرًا، فَاسْمَعْ لَهُ وَأَطِعْ وَأَحْسِنْ مُوَازَرَتَهُ. وَكَتَبَ إِلَى مَالِكِ بْنِ الْهَيْثَمِ بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَكَانَ الْحَسَنُ هُوَ الْمُدَبِّرَ لِأَمْرِ ذَلِكَ الْعَسْكَرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute