للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ عَلَى الْحَسَنِ تَحَوَّلَ الْحَسَنُ عَنْ خَيْمَتِهِ وَأَنْزَلَهُ فِيهَا، وَجَعَلَ الْحَسَنُ عَلَى حَرَسِ الْمَنْصُورِ عُثْمَانَ بْنَ نَهِيكٍ.

وَقَاتَلَهُمْ مَالِكُ بْنُ الْهَيْثَمِ يَوْمًا فَانْهَزَمَ أَهْلُ الشَّامِ إِلَى خَنَادِقِهِمْ وَقَدْ كَمَّنَ لَهُمْ مَعْنٌ وَأَبُو يَحْيَى الْجُذَامِيُّ. فَلَمَّا جَازَهُمْ أَصْحَابُ مَالِكٍ خَرَجُوا عَلَيْهِمْ فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى جَاءَ اللَّيْلُ، وَابْنُ هُبَيْرَةَ عَلَى بُرْجِ الْخَلَّالِينَ، فَاقْتَتَلُوا مَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ اللَّيْلِ، وَسَرَّحَ ابْنُ هُبَيْرَةَ إِلَى مَعْنٍ يَأْمُرُهُ بِالِانْصِرَافِ، فَانْصَرَفَ، فَمَكَثُوا أَيَّامًا.

وَخَرَجَ أَهْلُ وَاسِطَ أَيْضًا مَعَ مَعْنٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ نُبَاتَةَ، فَقَاتَلَهُمْ أَصْحَابُ الْحَسَنِ فَهَزَمُوهُمْ إِلَى دِجْلَةَ حَتَّى تَسَاقَطُوا فِيهَا، وَرَجَعُوا وَقَدْ قُتِلَ وَلَدُ مَالِكِ بْنِ الْهَيْثَمِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُوهُ قَتِيلًا قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْحَيَاةَ بَعْدَكَ! ثُمَّ حَمَلُوا عَلَى أَهْلِ وَاسِطَ فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى أَدْخَلُوهُمُ الْمَدِينَةَ.

وَكَانَ مَالِكٌ يَمْلَأُ السُّفُنَ حَطَبًا، ثُمَّ يُضْرِمُهَا نَارًا لِتَحْرِقَ مَا مَرَّتْ بِهِ، فَكَانَ ابْنُ هُبَيْرَةَ يَجُرُّ تِلْكَ السُّفُنَ بِكَلَالِيبَ، فَمَكَثُوا كَذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا.

فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِمُ الْحِصَارُ طَلَبُوا الصُّلْحَ، وَلَمْ يَطْلُبُوهُ حَتَّى جَاءَهُمْ خَبَرُ قَتْلِ مَرْوَانَ، أَتَاهُمْ بِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ وَقَالَ لَهُمْ: عَلَامَ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَقَدْ قُتِلَ مَرْوَانُ؟ وَتَجَنَّى أَصْحَابُ ابْنِ هُبَيْرَةَ عَلَيْهِ.

فَقَالَتِ الْيَمَانِيَّةُ: لَا نُعِينُ مَرْوَانَ وَآثَارُهُ فِينَا آثَارُهُ. وَقَالَتِ النِّزَارِيَّةُ: لَا نُقَاتِلُ حَتَّى تُقَاتِلَ مَعَنَا الْيَمَانِيَّةُ، وَكَانَ يُقَاتِلُ مَعَهُ صَعَالِيكُ النَّاسِ وَفِتْيَانُهُمْ.

وَهَمَّ ابْنُ هُبَيْرَةَ بِأَنْ يَدْعُوَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ، فَأَبْطَأَ جَوَابَهُ، وَكَاتَبَ السَّفَّاحُ الْيَمَانِيَّةَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ هُبَيْرَةَ وَأَطْمَعَهُمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ زِيَادُ بْنُ صَالِحٍ، وَزِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثِيَّانِ، وَوَعَدَا ابْنَ هُبَيْرَةَ أَنْ يُصْلِحَا لَهُ نَاحِيَةَ ابْنِ الْعَبَّاسِ، فَلَمْ يَفْعَلَا.

وَجَرَتِ السُّفَرَاءُ بَيْنَ أَبِي جَعْفَرٍ وَابْنِ هُبَيْرَةَ، حَتَّى جَعَلَ لَهُ أَمَانًا، وَكَتَبَ بِهِ كِتَابًا مَكَثَ ابْنُ هُبَيْرَةَ يُشَاوِرُ فِيهِ الْعُلَمَاءَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى رَضِيَهُ، فَأَنْفَذَهُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَأَنْفَذَهُ أَبُو جَعْفَرٍ إِلَى أَخِيهِ السَّفَّاحِ، فَأَمَرَهُ بِإِمْضَائِهِ.

وَكَانَ رَأْيُ أَبِي جَعْفَرٍ الْوَفَاءَ لَهُ بِمَا أَعْطَاهُ، وَكَانَ السَّفَّاحُ لَا يَقْطَعُ أَمْرًا دُونَ أَبِي مُسْلِمٍ، وَكَانَ أَبُو الْجَهْمِ عَيْنًا لِأَبِي مُسْلِمٍ عَلَى السَّفَّاحِ، فَكَتَبَ السَّفَّاحُ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ يُخْبِرُهُ أَمْرَ ابْنِ هُبَيْرَةَ، فَكَتَبَ أَبُو مُسْلِمٍ إِلَيْهِ: إِنَّ الطَّرِيقَ السَّهْلَ إِذَا أَلْقَيْتَ فِيهِ الْحِجَارَةَ فَسَدَ، لَا وَاللَّهِ لَا يَصْلُحُ طَرِيقٌ فِيهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ.

وَلَمَّا تَمَّ الْكِتَابُ خَرَجَ ابْنُ هُبَيْرَةَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ فِي أَلْفٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ [مِنَ الْبُخَارِيَّةِ] ،

<<  <  ج: ص:  >  >>