وَقَدِمَ أَبُو نَصْرٍ عَلَى الْمَنْصُورِ فَقَالَ لَهُ: أَشَرْتَ عَلَى أَبِي مُسْلِمٍ بِالْمُضِيِّ إِلَى خُرَاسَانَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَانَتْ لَهُ عِنْدِي أَيَادٍ فَنَصَحْتُ لَهُ، وَإِنِ اصْطَنَعَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ نَصَحْتُ لَهُ وَشَكَرْتُ. فَعَفَا عَنْهُ.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الرَّاوِنْدِيَّةِ قَامَ أَبُو نَصْرٍ عَلَى بَابِ الْقَصْرِ، وَقَالَ: أَنَا الْبَوَّابُ الْيَوْمَ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ وَأَنَا حَيٌّ. فَسَأَلَ عَنْهُ الْمَنْصُورُ فَأُخْبِرَ بِهِ، فَعَلِمَ أَنَّهُ قَدْ نَصَحَ لَهُ.
وَقِيلَ: إِنَّ زُهَيْرًا سَيَّرَ أَبَا نَصْرٍ إِلَى الْمَنْصُورِ مُقَيَّدًا، فَمَنَّ عَلَيْهِ وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَوْصِلِ.
[خُطْبَةُ الْمَنْصُورِ] وَلَمَّا قَتَلَ الْمَنْصُورُ أَبَا مُسْلِمٍ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَخْرُجُوا مِنْ أُنْسِ الطَّاعَةِ إِلَى وَحْشَةِ الْمَعْصِيَةِ، وَلَا تَمْشُوا فِي ظُلْمَةِ الْبَاطِلِ بَعْدَ سَعْيِكُمْ فِي ضِيَاءِ الْحَقِّ، إِنَّ أَبَا مُسْلِمٍ أَحْسَنَ مُبْتَدِئًا وَأَسَاءَ مُعَقِّبًا، وَأَخَذَ مِنَ النَّاسِ بِنَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَانَا، وَرَجَحَ قَبِيحُ بَاطِنِهِ عَلَى حُسْنِ ظَاهِرِهِ، وَعَلِمْنَا مَنْ خُبْثِ سَرِيرَتِهِ، وَفَسَادِ نِيَّتِهِ مَا لَوْ عَلِمَهُ اللَّائِمُ لَنَا فِيهِ لَعَذَرَنَا فِي قَتْلِهِ، وَعَنَّفَنَا فِي إِمْهَالِنَا، وَمَا زَالَ يَنْقُضُ بَيْعَتَهُ، وَيَخْفِرُ ذِمَّتَهُ، حَتَّى أَحَلَّ لَنَا عُقُوبَتَهُ، وَأَبَاحَنَا دَمَهُ، فَحَكَمْنَا فِيهِ حُكْمَهُ لَنَا فِي غَيْرِهِ [مِمَّنْ شَقَّ الْعَصَا] ، وَلَمْ يَمْنَعْنَا الْحَقُّ لَهُ مِنْ إِمْضَاءِ الْحَقِّ فِيهِ.
وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ لِلنُّعْمَانِ:
فَمَنْ أَطَاعَكَ فَانْفَعْهُ بِطَاعَتِهِ ... كَمَا أَطَاعَكَ وَادْلُلْهُ عَلَى الرَّشَدِ
وَمَنْ عَصَاكَ فَعَاقِبْهُ مُعَاقَبَةً ... تَنْهَى الظَّلُومَ وَلَا تَقْعُدْ عَلَى ضَمَدِ
ثُمَّ نَزَلَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute