للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُولُوا لِلدِّهْقَانِ إِنَّ أَبَا مُسْلِمٍ بِالْبَابِ يَطْلُبُ مِنْكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدَابَّةً. فَقَالُوا لِلدِّهْقَانِ ذَلِكَ، فَقَالَ الدِّهْقَانُ: فِي أَيِّ زِيٍّ هُوَ وَأَيِّ عُدَّةٍ؟ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ وَحْدَهُ فِي أَدْوَنِ زِيٍّ.

فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ دَعَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَدَابَّةٍ مِنْ خَوَاصِّ دَوَابِّهِ وَأَذِنَ لَهُ، وَقَالَ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ، قَدْ أَسْعَفْنَاكَ بِمَا طَلَبْتَ، وَإِنْ عَرَضَتْ حَاجَةٌ أُخْرَى فَنَحْنُ بَيْنَ يَدَيْكَ. فَقَالَ: مَا نُضَيِّعُ لَكَ مَا فَعَلْتَهُ.

فَلَمَّا مَلَكَ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَقَارِبِهِ: إِنْ فَتَحْتَ نَيْسَابُورَ أَخَذْتَ كُلَّ مَا تُرِيدُهُ مِنْ مَالِ الْفَاذُوسْيَانَ دِهْقَانِهَا الْمَجُوسِيِّ. فَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: لَهُ عِنْدَنَا يَدٌ. فَلَمَّا مَلَكَ نَيْسَابُورَ أَتَتْهُ هَدَايَا الْفَاذُوسْيَانَ، فَقِيلَ لَهُ: لَا تَقْبَلْهَا وَاطْلُبْ مِنْهُ الْأَمْوَالَ.

فَقَالَ: لَهُ عِنْدِي يَدٌ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَمْوَالِهِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عُلُوِّ هِمَّةٍ وَكَمَالِ مُرُوءَةٍ.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَعْمَلَ الْمَنْصُورُ أَبَا دَاوُدَ عَلَى خُرَاسَانَ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِعَهْدِهِ.

ذِكْرُ خُرُوجِ سُنْبَاذَ بِخُرَاسَانَ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ سُنْبَاذُ بِخُرَاسَانَ يَطْلُبُ بِدَمِ أَبِي مُسْلِمٍ، وَكَانَ مَجُوسِيًّا مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى نَيْسَابُورَ يُقَالُ لَهَا أَهْرَوَانَهْ، كَانَ ظُهُورُهُ غَضَبًا لِقَتْلِ أَبِي مُسْلِمٍ، لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ صَنَائِعِهِ، وَكَثُرَ أَتْبَاعُهُ، وَكَانَ عَامَّتُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجِبَالِ، وَغَلَبَ عَلَى نَيْسَابُورَ وَقُومِسَ وَالرَّيِّ، وَتُسَمَّى فَيْرُوزَ أَصْبَهْبَذَ.

فَلَمَّا صَارَ بِالرَّيِّ أَخَذَ خَزَائِنَ أَبِي مُسْلِمٍ، وَكَانَ أَبُو مُسْلِمٍ خَلَّفَهَا بِالرَّيِّ حِينَ شَخَصَ إِلَى أَبِي الْعَبَّاسِ، وَسَبَى الْحُرَمَ، وَنَهَبَ الْأَمْوَالَ، وَلَمْ يَعْرِضْ لِلتُّجَّارِ، وَكَانَ يُظْهِرُ أَنَّهُ يَقْصِدُ الْكَعْبَةَ وَيَهْدِمُهَا.

فَوَجَّهَ إِلَيْهِ الْمَنْصُورُ جُمْهُورَ بْنَ مِرَّارٍ الْعِجْلِيَّ فِي عَشَرَةِ آلَافِ فَارِسٍ، فَالْتَقَوْا بَيْنَ هَمَذَانَ وَالرَّيِّ عَلَى طَرَفِ الْمَفَازَةِ، وَعَزَمَ جُمْهُورٌ عَلَى مُطَاوَلَتِهِ، فَلَمَّا الْتَقَوْا قَدَّمَ سُنْبَاذُ السَّبَايَا مِنَ النِّسَاءِ الْمُسْلِمَاتِ عَلَى الْجِمَالِ، فَلَمَّا رَأَيْنَ عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ قُمْنَ فِي الْمَحَامِلِ وَنَادَيْنَ: وَامُحَمَّدَاهُ! ذَهَبَ الْإِسْلَامُ! وَوَقَعَتِ الرِّيحُ فِي أَثْوَابِهِنَّ، فَنَفَرَتِ الْإِبِلُ وَعَادَتْ عَلَى عَسْكَرِ سُنْبَاذَ، فَتَفَرَّقَ الْعَسْكَرُ وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ الْهَزِيمَةِ.

وَتَبِعَ الْمُسْلِمُونَ الْإِبِلَ وَوَضَعُوا السُّيُوفَ فِي الْمَجُوسِ وَمَنْ مَعَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ كَيْفَ شَاءُوا، وَكَانَ عَدَدُ الْقَتْلَى نَحْوًا مِنْ سِتِّينَ أَلْفًا، وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَنِسَاءَهُمْ، ثُمَّ قُتِلَ سُنْبَاذُ بَيْنَ طَبَرِسْتَانَ وَقُومِسَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>