للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْكُنَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِقُرْطُبَةَ، وَرَهَنَهُ يُوسُفُ ابْنَيْهِ: أَبَا الْأَسْوَدِ مُحَمَّدًا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ.

وَسَارَ يُوسُفُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا دَخَلَ قُرْطُبَةَ تَمَثَّلَ:

فَبَيْنَا نَسُوسُ النَّاسَ وَالْأَمْرُ أَمْرُنَا إِذَا نَحْنُ فِيهِمْ سُوقَةٌ نَتَنَصَّفُ.

وَاسْتَقَرَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِقُرْطُبَةَ، وَبَنَى الْقَصْرَ وَالْمَسْجِدَ الْجَامِعَ، وَأَنْفَقَ فِيهِ ثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَمَاتَ قَبْلَ تَمَامِهِ، وَبَنَى مَسَاجِدَ الْجَمَاعَاتِ، وَوَافَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَكَانَ يَدْعُو لِلْمَنْصُورِ.

وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّ دُخُولَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ فِي ذِكْرِ دُخُولِهِ الْأَنْدَلُسَ لِئَلَّا نَخْرُجَ عَنِ الَّذِي قَصَدْنَا لَهُ مِنْ الِاخْتِصَارِ.

ذِكْرُ حَبْسِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ

وَلَمَّا عُزِلَ سُلَيْمَانُ عَنِ الْبَصْرَةِ اخْتَفَى أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ خَوْفًا مِنَ الْمَنْصُورِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَنْصُورَ فَأَرْسَلَ إِلَى سُلَيْمَانَ وَعِيسَى ابْنَيْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي إِشْخَاصِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَعْطَاهُمَا الْأَمَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ وَعَزَمَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَفْعَلَا.

فَخَرَجَ سُلَيْمَانُ وَعِيسَى بِعَبْدِ اللَّهِ وَقُوَّادِهِ وَمَوَالِيهِ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى الْمَنْصُورِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَيْهِ أَذِنَ لِسُلَيْمَانَ وَعِيسَى فَدَخَلَا عَلَيْهِ، وَأَعْلَمَاهُ حُضُورَ عَبْدِ اللَّهِ وَسَأَلَاهُ الْإِذْنَ لَهُ، فَأَجَابَهُمَا إِلَى ذَلِكَ وَشَغَلَهُمَا بِالْحَدِيثِ، وَكَانَ قَدْ هَيَّأَ لِعَبْدِ اللَّهِ مَكَانًا فِي قَصْرِهِ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُصْرَفَ إِلَيْهِ بَعْدَ دُخُولِ سُلَيْمَانَ وَعِيسَى، فَفُعِلَ بِهِ ذَلِكَ.

ثُمَّ نَهَضَ الْمَنْصُورُ، وَقَالَ لِسُلَيْمَانَ وَعِيسَى: خُذَا عَبْدَ اللَّهِ مَعَكُمَا. فَلَمَّا خَرَجَا لَمْ يَجِدَا عَبْدَ اللَّهِ، فَعَلِمَا أَنَّهُ قَدْ حُبِسَ، فَرَجَعَا إِلَى الْمَنْصُورِ فَمُنِعَا عَنْهُ وَأُخِذَتْ عِنْدَ ذَلِكَ سُيُوفُ مَنْ حَضَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَحُبِسُوا.

وَقَدْ كَانَ خُفَافُ بْنُ مَنْصُورٍ حَذَّرَهُمْ ذَلِكَ، وَنَدِمَ عَلَى مَجِيئِهِ مَعَهُمْ، وَقَالَ: إِنْ أَطَعْتُمُونِي شَدَدْنَا شَدَّةً وَاحِدَةً عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَوَاللَّهِ لَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَنَا حَائِلٌ حَتَّى نَأْتِيَ عَلَيْهِ! وَلَا يَعْرِضُ لَنَا أَحَدٌ إِلَّا قَتَلْنَاهُ وَنَنْجُو بِأَنْفُسِنَا! فَعَصَوْهُ.

فَلَمَّا أُخِذَتْ سُيُوفُهُمْ وَحُبِسُوا جَعَلَ خُفَافُ يَضْرِطُ فِي لِحْيَةِ نَفْسِهِ، وَيَتْفُلُ فِي وُجُوهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>