للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ: أَتَى قَوْمًا مِنَ الزَّنَاتِيِّينَ، فَأَحْسَنُوا قَبُولَهُ وَاطْمَأَنَّ فِيهِمْ، وَأَخَذَ فِي تَدْبِيرِ الْمُكَاتَبَةِ إِلَى الْأُمَوِيِّينَ مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ يُعْلِمُهُمْ بِقُدُومِهِ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى نَفْسِهِ، وَوَجَّهَ بَدْرًا مَوْلَاهُ إِلَيْهِمْ، وَأَمِيرُ الْأَنْدَلُسِ حِينَئِذٍ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفِهْرِيُّ.

فَسَارَ بَدْرٌ إِلَيْهِمْ وَأَعْلَمَهُمْ حَالَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَدَعَاهُمْ إِلَيْهِ، فَأَجَابُوهُ وَوَجَّهُوا لَهُ مَرْكَبًا فِيهِ ثُمَامَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، وَوَهْبُ بْنُ الْأَصْفَرِ، وَشَاكِرُ بْنُ أَبِي الْأَشْمَطِ، فَوَصَلُوا إِلَيْهِ وَأَبْلَغُوهُ طَاعَتَهُمْ لَهُ، وَأَخَذُوهُ وَرَجَعُوا إِلَى الْأَنْدَلُسِ، فَأَرْسَى فِي الْمُنَكَّبِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، فَأَتَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ مِنْ أَهْلِ إِشْبِيلِيَّةَ، وَكَانَتْ أَيْضًا نُفُوسُ أَهْلِ الْيَمَنِ حَنِقَةً عَلَى الصُّمَيْلِ وَيُوسُفَ الْفِهْرِيِّ، فَأَتَوْهُ.

ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى كُورَةِ رَيَّةَ فَبَايَعَهُ عَامِلُهَا عِيسَى بْنُ مُسَاوِرٍ. ثُمَّ أَتَى شَذُونَةَ فَبَايَعَهُ غِيَاثُ بْنُ عَلْقَمَةَ اللَّخْمِيُّ. ثُمَّ أَتَى مُوَرْوِرَ فَبَايَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَجَرَةَ عَامِلُهَا. ثُمَّ أَتَى إِشْبِيلِيَّةَ فَبَايَعَهُ أَبُو الصُّبَاحِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَنَهَدَ إِلَى قُرْطُبَةَ.

فَبَلَغَ خَبَرُهُ إِلَى يُوسُفَ وَكَانَ غَائِبًا عَنْ قُرْطُبَةَ بِنَوَاحِي طُلَيْطُلَةَ، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى قُرْطُبَةَ، فَسَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ نَحْوَ قُرْطُبَةَ.

فَلَمَّا أَتَى قُرْطُبَةَ تَرَاسَلَ هُوَ وَيُوسُفُ فِي الصُّلْحِ، فَخَادَعَهُ نَحْوَ يَوْمَيْنِ، أَحَدُهُمَا يَوْمُ عَرَفَةَ، وَلَمْ يَشُكَّ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ يُوسُفَ أَنَّ الصُّلْحَ قَدْ أُبْرِمَ، وَأَقْبَلَ عَلَى إِعْدَادِ الطَّعَامِ لِيَأْكُلَهُ النَّاسُ عَلَى السِّمَاطِ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مُرَتِّبٌ خَيْلَهُ وَرَجِلَهُ، وَعَبَرَ النَّهْرَ فِي أَصْحَابِهِ لَيْلًا، وَنَشِبَ الْقِتَالُ لَيْلَةَ الْأَضْحَى، وَصَبَرَ الْفَرِيقَانِ إِلَى أَنِ ارْتَفَعَ النَّهَارُ، وَرَكِبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى بَغْلٍ لِئَلَّا يَظُنَّ النَّاسُ أَنَّهُ يَهْرُبُ، فَلَمَّا رَأَوْهُ كَذَلِكَ سَكَنَتْ نُفُوسُهُمْ، وَأَسْرَعَ الْقَتْلُ فِي أَصْحَابِ يُوسُفَ وَانْهَزَمَ، وَبَقِيَ الصُّمَيْلُ يُقَاتِلُ مَعَ عِصَابَةٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ، ثُمَّ انْهَزَمُوا، فَظَفِرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَلَمَّا انْهَزَمَ يُوسُفُ (أَتَى مَارِدَةَ، وَأَتَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ قُرْطُبَةَ فَأَخْرَجَ حَشَمَ يُوسُفَ) مِنَ الْقَصْرِ عَلَى عَوْدَةٍ وَدَخَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ.

ثُمَّ سَارَ فِي طَلَبِ يُوسُفَ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِ يُوسُفُ خَالَفَهُ إِلَى قُرْطُبَةَ فَدَخَلَهَا وَمَلَكَ قَصْرَهَا، فَأَخَذَ جَمِيعَ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَلَحِقَ بِمَدِينَةِ إِلْبِيرَةَ، وَكَانَ الصُّمَيْلُ لَحِقَ بِمَدِينَةِ شَوْذَرَ.

وَوَرَدَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الْخَبَرُ فَرَجَعَ إِلَى قُرْطُبَةَ طَمَعًا فِي لَحَاقِهِ بِهَا، فَلَمَّا لَمْ يَجِدْهُ عَزَمَ عَلَى النُّهُوضِ إِلَيْهِ، (فَسَارَ إِلَى إِلْبِيرَةَ، وَكَانَ الصُّمَيْلُ قَدْ لَحِقَ بِيُوسُفَ وَتَجَمَّعَ لَهُمَا هُنَاكَ جَمْعٌ) ، فَتَرَاسَلُوا فِي الصُّلْحِ، فَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَنْزِلَ يُوسُفُ بِأَمَانٍ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ، وَأَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>