يَلِي عَجُزَ الْبَعِيرِ وَحَمَلَهُ إِلَى الْمَنْصُورِ، وَمَعَهُ وَلَدُهُ وَأَصْحَابُهُ، فَبَسَطَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ حَتَّى اسْتَخْرَجَ مِنْهُمُ الْأَمْوَالَ، ثُمَّ أَمَرَ فَقُطِعَتْ يَدَا عَبْدِ الْجَبَّارِ وَرِجْلَاهُ، وَضُرِبَ عُنُقُهُ، وَأَمَرَ بِتَسْيِيرِ وَلَدِهِ إِلَى دَهْلَكَ، وَهِيَ جَزِيرَةٌ بِالْيَمَنِ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهَا حَتَّى أَغَارَ عَلَيْهِمُ الْهِنْدُ فَسَبَوْهُمْ فِيمَنْ سَبَوْا، ثُمَّ فُودُوا بَعْدَ ذَلِكَ.
وَكَانَ مِمَّنْ نَجَا مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، صَحِبَ الْخُلَفَاءَ، وَمَاتَ أَيَّامَ الرَّشِيدِ سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَةٍ.
قِيلَ: وَكَانَ أَمْرُ عَبْدِ الْجَبَّارِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ فِي رَبِيعِ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: سَنَةَ أَرْبَعِينَ.
ذِكْرُ فَتْحِ طَبَرِسْتَانَ
وَلَمَّا ظَفِرَ الْمَهْدِيُّ بِعَبْدِ الْجَبَّارِ بِغَيْرِ تَعَبٍ وَلَا مُبَاشَرَةِ قِتَالٍ كَرِهَ الْمَنْصُورُ أَنْ تَبْطُلَ تِلْكَ النَّفَقَاتُ الَّتِي أَنْفَقَ عَلَى الْمَهْدِيِّ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَغْزُوَ طَبَرِسْتَانَ، وَيَنْزِلَ الرَّيَّ، وَيُوَجِّهَ أَبَا الْخَصِيبِ، وَخَازِمَ بْنَ خُزَيْمَةَ، وَالْجُنُودَ إِلَى الْأَصْبَهْبَذِ، وَكَانَ الْأَصْبَهْبَذُ يَوْمَئِذٍ مُحَارِبًا لِلْمُصْمُغَانِ، مَلِكِ دُنَبَاوَنْدَ، مُعَسْكِرًا بِإِزَائِهِ، فَلَمَّا بَلَغَهُ دُخُولُ الْجُنُودِ بِلَادَهُ وَدُخُولُ أَبِي الْخَصِيبِ سَارِيَةَ قَالَ الْمُصْمُغَانُ لِلْأَصْبَهْبَذِ: مَتَى قَهَرُوكَ صَارُوا إِلَيَّ، فَاجْتَمَعَا عَلَى حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ.
فَانْصَرَفَ الْأَصْبَهْبَذُ إِلَى بِلَادِهِ فَحَارَبَ الْمُسْلِمِينَ، فَطَالَتْ تِلْكَ الْحُرُوبُ، فَوَجَّهَ الْمَنْصُورُ عُمَرَ بْنَ الْعَلَاءِ إِلَى طَبَرِسْتَانَ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ بَشَّارٌ:
إِذَا أَيْقَظَتْكَ حُرُوبُ الْعِدَى ... فَنَبِّهْ لَهَا عُمَرًا ثُمَّ نَمْ.
وَكَانَ عَالِمًا بِبِلَادِ طَبَرِسْتَانَ، فَأَخَذَ الْجُنُودَ وَقَصَدَ الرُّويَانَ وَفَتَحَهَا، وَأَخَذَ قَلْعَةَ الطَّاقِ وَمَا فِيهَا، وَطَالَتِ الْحَرْبُ، فَأَلَحَّ خَازِمٌ عَلَى الْقِتَالِ فَفَتَحَ طَبَرِسْتَانَ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ فَأَكْثَرَ، وَسَارَ الْأَصْبَهْبَذُ إِلَى قَلْعَتِهِ فَطَلَبَ الْأَمَانَ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْقَلْعَةَ بِمَا فِيهَا مِنَ الذَّخَائِرِ.
وَكَتَبَ الْمَهْدِيُّ بِذَلِكَ إِلَى الْمَنْصُورِ، فَوَجَّهَ الْمَنْصُورَ صَالِحًا صَاحِبَ الْمُصَلَّى، فَأَحْصَوْا مَا فِي الْحِصْنِ وَانْصَرَفُوا، وَدَخَلَ الْأَصْبَهْبَذُ بِلَادَ جِيلَانَ مِنَ الدَّيْلَمِ، فَمَاتَ بِهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute