ثُمَّ تَغَيَّبَ مَعْنٌ، فَسَأَلَ الْمَنْصُورُ عَنْهُ أَبَا الْخَصِيبِ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ مَكَانَهُ. فَقَالَ الْمَنْصُورُ: أَيَظُنُّ مَعْنٌ أَنْ لَا أَغْفِرَ ذَنْبَهُ بَعْدَ بَلَائِهِ؟ أَعْطِهِ الْأَمَانَ وَأَدْخِلْهُ عَلَيَّ، فَأَدْخَلَهُ إِلَيْهِ، فَأَمَرَ لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ وَلَّاهُ الْيَمَنَ.
ذِكْرُ خَلْعِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بِخُرَاسَانَ وَمَسِيرِ الْمَهْدِيِّ إِلَيْهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَلَعَ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَامِلُ خُرَاسَانَ لِلْمَنْصُورِ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ الْجَبَّارِ لَمَّا اسْتَعْمَلَهُ الْمَنْصُورُ عَلَى خُرَاسَانَ عَمَدَ إِلَى الْقُوَّادِ فَقَتَلَ بَعْضَهُمْ وَحَبَسَ بَعْضَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَنْصُورَ وَأَتَاهُ مِنْ بَعْضِهِمْ كِتَابٌ: قَدْ نَغِلَ الْأَدِيمُ. فَقَالَ لِأَبِي أَيُّوبَ: إِنَّ عَبْدَ الْجَبَّارِ قَدْ أَفْنَى شِيعَتَنَا، وَمَا فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَخْلَعَ. فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ إِلَيْهِ أَنَّكَ تُرِيدُ غَزْوَ الرُّومِ فَلْيُوَجِّهْ إِلَيْكَ الْجُنُودَ مِنْ خُرَاسَانَ وَعَلَيْهِمْ فُرْسَانُهُمْ وَوُجُوهُهُمْ، فَإِذَا خَرَجُوا مِنْهَا فَابْعَثْ إِلَيْهِ مَنْ شِئْتَ فَلَا تُمْنَعُ.
فَكَتَبَ الْمَنْصُورُ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، وَأَجَابَهُ: إِنَّ التُّرْكَ قَدْ جَاشَتْ، وَإِنْ فَرَّقْتُ الْجُنُودَ ذَهَبَتْ خُرَاسَانَ. فَأَلْقَى الْكِتَابَ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ وَقَالَ لَهُ: مَا تَرَى؟ قَالَ: قَدْ أَمْكَنَكَ مِنْ قِيَادِهِ اكْتُبْ إِلَيْهِ: إِنَّ خُرَاسَانَ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ غَيْرِهَا وَأَنَا مُوَجِّهٌ إِلَيْكَ الْجُنُودَ، ثُمَّ وَجِّهْ إِلَيْهِ الْجُنُودَ لِيَكُونُوا بِخُرَاسَانَ، فَإِنْ هَمَّ بِخَلْعٍ أَخَذُوا بِعُنُقِهِ.
فَلَمَّا وَرَدَ الْكِتَابُ بِهَذَا عَلَى عَبْدِ الْجَبَّارِ أَجَابَهُ: إِنَّ خُرَاسَانَ لَمْ تَكُنْ قَطُّ أَسْوَأَ حَالًا مِنْهَا [فِي هَذَا] الْعَامِ، وَإِنْ دَخَلَهَا الْجُنُودُ هَلَكُوا لِضِيقِ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْغَلَاءِ. فَلَمَّا أَتَاهُ الْكِتَابُ أَلْقَاهُ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو أَيُّوبَ: قَدْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ، وَقَدْ خَلَعَ فَلَا تُنَاظِرْهُ.
وَوَجَّهَ الْمَنْصُورُ ابْنَهُ الْمَهْدِيَّ، وَأَمَرَهُ بِنُزُولِ الرَّيِّ، فَسَارَ إِلَيْهَا الْمَهْدِيُّ، وَوَجَّهَ خَازِمَ بْنَ خُزَيْمَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ لِحَرْبِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَسَارَ الْمَهْدِيُّ فَنَزَلَ نَيْسَابُورَ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ مَرْوِ الرُّوذِ سَارُوا إِلَى عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَحَارَبُوهُ وَقَاتَلُوهُ قِتَالًا شَدِيدًا، فَانْهَزَمَ مِنْهُمْ وَلَجَأَ إِلَى مَقْطَنَةٍ فَتَوَارَى فِيهَا، فَعَبَرَ إِلَيْهِ الْمُجَشَّرُ بْنُ مُزَاحِمٍ، مِنْ أَهْلِ مَرْوِ الرُّوذِ، فَأَخَذَهُ أَسِيرًا، فَلَمَّا قَدِمَ خَازِمٌ أَتَاهُ بِهِ، فَأَلْبَسَهُ جُبَّةَ صُوفٍ، وَحَمَلَهُ عَلَى بَعِيرٍ، وَجَعَلَ وَجْهَهُ مِمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute