للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ الْمَنْصُورُ لَمْ يَكُنْ هَمُّهُ إِلَّا أَمْرَ مُحَمَّدٍ وَالْمَسْأَلَةَ عَنْهُ وَمَا يُرِيدُ، فَدَعَا بَنِي هَاشِمٍ رَجُلًا رَجُلًا يَسْأَلُهُ سِرًّا عَنْهُ، فَكُلُّهُمْ يَقُولُ: قَدْ عَلِمَ أَنَّكَ عَرَفْتَهُ يَطْلُبُ هَذَا الْأَمْرَ، فَهُوَ يَخَافُكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ لَكَ خِلَافًا، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا الْكَلَامَ، إِلَّا الْحَسَنُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنَّهُ أَخْبَرَهُ خَبَرَهُ وَقَالَ لَهُ: وَاللَّهِ مَا آمَنُ وُثُوبَهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّهُ لَا يَنَامُ عَنْكَ، فَأَيْقَظَ بِكَلَامِهِ مَنْ لَا يَنَامُ، فَكَانَ مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: اللَّهُمَّ اطْلُبْ حَسَنَ بْنَ زَيْدٍ بِدِمَائِنَا.

ثُمَّ أَلَحَّ الْمَنْصُورُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ فِي إِحْضَارِ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ سَنَةَ حَجَّ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِسُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: يَا أَخِي بَيْنَنَا مِنَ الصِّهْرِ وَالرَّحِمِ مَا تَعْلَمُ، فَمَا تَرَى؟ فَقَالَ سُلَيْمَانُ: وَاللَّهِ لَكَأَنَّنِي أَنْظُرُ إِلَى أَخِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ السِّتْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَنَا وَهُوَ يُشِيرُ إِلَيْنَا: هَذَا الَّذِي فَعَلْتُمْ بِي، فَلَوْ كَانَ عَافِيًا عَفَا عَنْ عَمِّهِ. فَقَبِلَ عَبْدُ اللَّهِ رَأْيَ سُلَيْمَانَ، وَعَلِمَ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَهُ وَلَمْ يُظْهِرِ ابْنَهُ.

ثُمَّ إِنَّ الْمَنْصُورَ اشْتَرَى رَقِيقًا مِنْ رَقِيقِ الْأَعْرَابِ، وَأَعْطَى الرَّجُلَ مِنْهُمُ الْبَعِيرَ، وَالرَّجُلَ الْبَعِيرَيْنِ، وَالرَّجُلَ الذَّوْدَ، وَفَرَّقَهُمْ فِي طَلَبِ مُحَمَّدٍ فِي ظَهْرِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَرِدُ الْمَاءَ كَالْمَارِّ، وَكَالضَّالِّ يَسْأَلُونَ عَنْهُ، وَبَعَثَ الْمَنْصُورُ عَيْنًا آخَرَ، وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا عَلَى أَلْسُنِ الشِّيعَةِ إِلَى مُحَمَّدٍ يَذْكُرُونَ طَاعَتَهُمْ وَمُسَارَعَتَهُمْ، وَبَعَثَ مَعَهُ بِمَالٍ وَأَلْطَافٍ، وَقَدِمَ الرَّجُلُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ فَسَأَلَهُ عَنِ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ، فَذَكَرَ لَهُ، فَكَتَمَ لَهُ خَبَرَهُ، فَتَرَدَّدَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ، وَأَلَحَّ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ فِي جَبَلِ جُهَيْنَةَ، فَقَالَ لَهُ: امْرُرْ بِعَلِيٍّ ابْنِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ الَّذِي يُدْعَى الْأَغَرَّ، وَهُوَ بِذِي الْإِبَرِ، فَهُوَ يُرْشِدُكَ، فَأَتَاهُ فَأَرْشَدَهُ.

وَكَانَ لِلْمَنْصُورِ كَاتِبٌ عَلَى سِرِّهِ يَتَشَيَّعُ، فَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ الْعَيْنِ، فَلَمَّا قَدِمَ الْكِتَابُ ارْتَاعُوا لَهُ وَبَعَثُوا أَبَا هَبَّارٍ إِلَى مُحَمَّدٍ وَإِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ يُحَذِّرُهُمَا الرَّجُلَ، فَخَرَجَ أَبُو هَبَّارٍ فَنَزَلَ بِعَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ وَأَخْبَرَهُ، ثُمَّ سَارَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي كَهْفٍ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ الْعَيْنُ مَعَهُمْ أَعْلَاهُمْ صَوْتًا، وَأَشَدُّهُمُ انْبِسَاطًا.

فَلَمَّا رَأَى أَبَا هَبَّارٍ خَافَهُ، فَقَالَ أَبُو هَبَّارٍ لِمُحَمَّدٍ: لِي حَاجَةٌ. فَقَامَ مَعَهُ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، قَالَ: فَمَا الرَّأْيُ؟ قَالَ: أَرَى إِحْدَى ثَلَاثٍ. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: تَدَعُنِي أَقْتُلُ هَذَا الرَّجُلَ. قَالَ: مَا أَنَا مُقَارِفٌ دَمًا إِلَّا كَرْهًا. قَالَ: أَثْقِلْهُ حَدِيدًا وَتَنْقُلُهُ مَعَكَ حَيْثُ تَنْقَلِبُ. قَالَ: وَهَلْ لَنَا فِرَارٌ مَعَ الْخَوْفِ وَالْإِعْجَالِ؟ قَالَ: نَشُدُّهُ وَنُودِعُهُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِكَ مِنْ جُهَيْنَةَ. قَالَ: هَذِهِ إِذًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>