للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرَجَعَا فَلَمْ يَرَيَا الرَّجُلَ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَيْنَ الرَّجُلُ؟ قَالُوا: [قَامَ] بِرَكْوَةِ مَاءٍ وَتَوَارَى بِهَذَا الطَّرِيقِ يَتَوَضَّأُ، فَطَلَبُوهُ وَلَمْ يَجِدُوهُ فَكَأَنَّ الْأَرْضَ الْتَأَمَتْ عَلَيْهِ، وَسَعَى عَلَى قَدَمَيْهِ حَتَّى اتَّصَلَ بِالطَّرِيقِ، فَمَرَّ بِهِ الْأَعْرَابُ مَعَهُمْ حُمُولَةٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لِبَعْضِهِمْ: فَرِّغْ هَذِهِ الْغِرَارَةَ وَأَدْخِلْنِيهَا أَكُنْ عِدْلًا لِصَاحِبَتِهَا وَلَكَ كَذَا وَكَذَا. فَفَعَلَ وَحَمَلَهُ حَتَّى أَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ.

ثُمَّ قَدِمَ عَلَى الْمَنْصُورِ، وَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ كُلَّهُ، وَنَسِيَ اسْمَ أَبِي هَبَّارٍ وَكُنْيَتَهُ وَقَالَ: وَبَّارٌ. فَكَتَبَ أَبُو جَعْفَرٍ فِي طَلَبِ ٩ وَبَّارٍ الْمُرِّيِّ، فَحُمِلَ إِلَيْهِ رَجُلٌ اسْمُهُ وَبَرٌ فَسَأَلَهُ عَنْ قِصَّةِ مُحَمَّدٍ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَأَمَرَ بِهِ وَضُرِبَ سَبْعَمِائَةِ سَوْطٍ وَحُبِسَ حَتَّى مَاتَ الْمَنْصُورُ.

ثُمَّ إِنَّهُ أَحْضَرَ عُقْبَةَ بْنَ سَلَمٍ الْأَزْدِيَّ فَقَالَ: أُرِيدُكَ لِأَمْرٍ أَنَا بِهِ مَعْنِيٌّ، لَمْ أَزَلْ أَرْتَادُ لَهُ رَجُلًا عَسَى أَنْ تَكُونَهُ، وَإِنْ كَفَيْتَنِيهِ رَفَعْتُكَ. فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ أَصْدُقَ ظَنَّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِيَّ. [قَالَ] : فَأَخْفِ شَخْصَكَ، وَاسْتُرْ أَمْرَكَ، وَأْتِنِي يَوْمَ كَذَا فِي وَقْتِ كَذَا.

فَأَتَاهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ. فَقَالَ لَهُ: إِنَّ بَنِي عَمِّنَا هَؤُلَاءِ قَدْ أَبَوْا إِلَّا كَيْدًا لِمُلْكِنَا وَاغْتِيَالًا لَهُ، وَلَهُمْ شِيعَةٌ بِخُرَاسَانَ بِقَرْيَةِ كَذَا يُكَاتِبُونَهُمْ، وَيُرْسِلُونَ إِلَيْهِمْ بِصَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ، وَأَلْطَافٍ مِنْ أَلْطَافِ بِلَادِهِمْ، فَاخْرُجْ بِكُسًا وَأَلْطَافٍ وَعَيْنٍ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ مُتَنَكِّرًا بِكِتَابٍ تَكْتُبُهُ عَنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ ثُمَّ تَعْلَمُ حَالَهُمْ، فَإِنْ كَانُوا نَزَعُوا عَنْ رَأْيِهِمْ فَأَحْبِبْ وَاللَّهِ بِهِمْ وَأَقْرِبْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى رَأْيِهِمْ عَمِلْتُ ذَلِكَ وَكُنْتُ عَلَى حَذَرٍ، فَاشْخَصْ حَتَّى تَلْقَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ مُتَخَشِّعًا وَمُتَقَشِّفًا، فَإِنْ جَبَهَكَ، وَهُوَ فَاعِلٌ، فَاصْبِرْ وَعَاوِدْهُ حَتَّى يَأْنَسَ بِكَ وَيُلِينَ لَكَ نَاحِيَتَهُ، فَإِذَا أَظْهَرَ لَكَ مَا قِبَلَهُ فَاعْجَلْ عَلَيَّ.

فَشَخَصَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَلَقِيَهُ بِالْكِتَابِ، فَأَنْكَرَهُ وَنَهَرَهُ وَقَالَ: مَا أَعْرِفُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ. فَلَمْ يَزَلْ يَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ حَتَّى قَبِلَ كِتَابَهُ وَأَلْطَافَهُ وَأَنِسَ بِهِ، فَسَأَلَهُ عُقْبَةُ الْجَوَابَ. فَقَالَ: أَمَّا الْكِتَابُ، فَإِنِّي لَا أَكْتُبُ إِلَى أَحَدٍ، وَلَكِنْ أَنْتَ كِتَابِي إِلَيْهِمْ، فَأَقْرِئْهُمُ السَّلَامَ، وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّنِي خَارِجٌ لِوَقْتِ كَذَا وَكَذَا.

وَرَجَعَ عُقْبَةُ إِلَى الْمَنْصُورِ فَأَعْلَمَهُ الْخَبَرَ، فَأَنْشَأَ الْمَنْصُورُ الْحَجَّ، وَقَالَ لِعَقَبَةَ: إِذَا لَقِيَنِي بَنُو الْحَسَنِ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ فَأَنَا مُكْرِمُهُ، وَرَافِعٌ مَجْلِسَهُ، وَدَاعٍ بِالْغَدَاءِ، فَإِذَا فَرَغْنَا مِنْ طَعَامِنَا فَلَحَظْتُكَ فَامْثُلْ بَيْنَ يَدَيْهِ قَائِمًا، فَإِنَّهُ سَيَصْرِفُ عَنْكَ بَصَرَهُ، فَاسْتَدِرْ

<<  <  ج: ص:  >  >>