حَتَّى تَغْمِزَ ظَهْرَهُ بِإِبْهَامِ رِجْلِكَ حَتَّى يَمْلَأَ عَيْنَهُ مِنْكَ، ثُمَّ حَسْبُكَ، وَإِيَّاكَ أَنْ يَرَاكَ مَا دَامَ يَأْكُلُ.
فَخَرَجَ إِلَى الْحَجِّ، فَلَمَّا لَقِيَهُ بَنُو الْحَسَنِ أَجْلَسَ عَبْدَ اللَّهِ إِلَى جَانِبِهِ ثُمَّ دَعَا بِالْغَدَاءِ فَأَصَابُوا مِنْهُ، ثُمَّ رُفِعَ فَأَقْبَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ فَقَالَ لَهُ: قَدْ عَلِمْتَ مَا أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ أَلَّا تَبْغِيَنِي بِسُوءٍ وَلَا تَكِيدَ لِي سُلْطَانًا؟ قَالَ: فَأَنَا عَلَى ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَلَحَظَ الْمَنْصُورُ عُقْبَةَ بْنَ سَلَمٍ فَاسْتَدَارَ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ عَبْدِ اللَّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَاسْتَدَارَ حَتَّى قَامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَغَمَزَهُ بِإِصْبَعِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَمَلَأَ عَيْنَهُ مِنْهُ، فَوَثَبَ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيِ الْمَنْصُورِ، فَقَالَ: (أَقِلْنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَقَالَكَ اللَّهُ! قَالَ: لَا أَقَالَنِي اللَّهُ إِنْ أَقَلْتُكَ) ! ثُمَّ أَمَرَ بِحَبْسِهِ.
وَكَانَ مُحَمَّدٌ قَدْ قَدِمَ قَبْلَ ذَلِكَ الْبَصْرَةَ، فَنَزَلَهَا فِي بَنِي رَاسِبٍ يَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ، وَقِيلَ: نَزَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَيْبَانَ أَحَدِ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عُبَيْدٍ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا، فَبَلَغَ الْمَنْصُورَ مَقْدِمُهُ الْبَصْرَةَ، فَسَارَ إِلَيْهَا مُغِذًّا، فَنَزَلَ عِنْدَ الْحُرِّ الْأَكْبَرِ، فَلَقِيَهُ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عُثْمَانَ هَلْ بِالْبَصْرَةِ أَحَدٌ تَخَافُهُ عَلَى أَمْرِنَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَاقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِكَ وَانْصَرِفْ. قَالَ: نَعَمْ.
وَكَانَ مُحَمَّدٌ قَدْ سَارَ عَنْهَا قَبْلَ مَقْدِمِ الْمَنْصُورِ، فَرَجَعَ الْمَنْصُورُ، وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ فَخَرَجَا حَتَّى أَتَيَا عَدَنَ، ثُمَّ سَارَا إِلَى السِّنْدِ ثُمَّ إِلَى الْكُوفَةِ ثُمَّ إِلَى الْمَدِينَةِ.
وَكَانَ الْمَنْصُورُ قَدْ حَجَّ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، فَقَسَّمَ أَمْوَالًا عَظِيمَةً فِي آلِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمْ يَظْهَرْ مُحَمَّدٌ وَإِبْرَاهِيمُ، فَسَأَلَ أَبَاهُمَا عَبْدَ اللَّهِ عَنْهُمَا، فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهِمَا، فَتَغَالَظَا، فَأَمَصَّهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ حَتَّى قَالَ لَهُ: امْصُصْ كَذَا وَكَذَا مِنْ أُمِّكَ! فَقَالَ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، بِأَيِّ أُمَّهَاتِي تُمِصُّنِي؟ ! أَبِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أَمْ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ؟ أَمْ بِأُمِّ إِسْحَاقَ بِنْتِ طَلْحَةَ؟ أَمْ بِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ؟ [قَالَ] : لَا بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَلَكِنْ بِالْحِرْبَاءِ بِنْتِ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ! وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ طَيِّئٍ، فَقَالَ الْمُسَيَّبُ بْنُ زُهَيْرٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ ابْنِ الْفَاعِلَةِ! فَقَامَ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَلْقَى عَلَيْهِ رِدَاءَهُ وَقَالَ: هَبْهُ لِي [يَا] أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَسْتَخْرِجْ لَكَ ابْنَيْهِ، فَتَخَلَّصَهُ [مِنْهُ] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute