وَكَانَ مُحَمَّدٌ وَإِبْرَاهِيمُ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ قَدْ تَغَيَّبَا حِينَ حَجَّ الْمَنْصُورُ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ عَنِ الْمَدِينَةِ، وَحَجَّ أَيْضًا فَاجْتَمَعُوا بِمَكَّةَ وَأَرَادُوا اغْتِيَالَ الْمَنْصُورِ، فَقَالَ لَهُمُ الْأَشْتَرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَنَا أَكْفِيكُمُوهُ! فَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا وَاللَّهِ لَا أَقْتُلُهُ أَبَدًا غِيلَةً حَتَّى أَدْعُوَهُ. فَنَقَضَ مَا كَانُوا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ.
وَكَانَ قَدْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ قَائِدٌ مِنْ قُوَّادِ الْمَنْصُورِ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ اسْمُهُ خَالِدُ بْنُ حَسَّانٍ يُدْعَى أَبَا الْعَسَاكِرِ عَلَى أَلْفِ رَجُلٍ، فَنَمَّى الْخَبَرَ إِلَى الْمَنْصُورِ فَطُلِبَ، فَلَمْ يُظْفَرْ بِهِ، فَظَفِرَ بِأَصْحَابِهِ فَقَتَلَهُمْ، وَأَمَّا الْقَائِدُ فَإِنَّهُ لَحِقَ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ.
ثُمَّ إِنَّ الْمَنْصُورَ حَثَّ زِيَادَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى طَلَبِ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ، فَضَمِنَ لَهُ ذَلِكَ وَوَعَدَهُ بِهِ، فَقَدِمَ مُحَمَّدٌ الْمَدِينَةَ قَدْمَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ زِيَادًا، فَتَلَطَّفَ لَهُ، وَأَعْطَاهُ الْأَمَانَ عَلَى أَنْ يُظْهِرَ وَجْهَهُ لِلنَّاسِ، فَوَعَدَهُ مُحَمَّدٌ ذَلِكَ، فَرَكِبَ زِيَادٌ مَعَ الْمَسَاءِ وَوَاعَدَ مُحَمَّدًا سُوقَ الظُّهْرِ، وَرَكِبَ مُحَمَّدٌ، فَتَصَايَحَ النَّاسُ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، الْمَهْدِيُّ الْمَهْدِيُّ! فَوَقَفَ هُوَ وَزِيَادٌ، فَقَالَ زِيَادٌ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: الْحَقْ بِأَيِّ بِلَادِ اللَّهِ شِئْتَ. فَتَوَارَى مُحَمَّدٌ.
وَسَمِعَ الْمَنْصُورُ الْخَبَرَ فَأَرْسَلَ أَبَا الْأَزْهَرِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ الْمُطَّلِبِ، وَأَنْ يَقْبِضَ عَلَى زِيَادٍ وَأَصْحَابِهِ، وَيَسِيرَ بِهِمْ إِلَيْهِ، فَقَدِمَ أَبُو الْأَزْهَرِ الْمَدِينَةَ، فَفَعَلَ مَا أَمَرَهُ، وَأَخَذَ زِيَادًا وَأَصْحَابَهُ، وَسَارَ نَحْوَ الْمَنْصُورِ، وَخَلَّفَ زِيَادٌ فِي بَيْتِ مَالِ الْمَدِينَةِ ثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَسَجَنَهُمْ الْمَنْصُورُ، ثُمَّ مَنَّ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَاسْتَعْمَلَ الْمَنْصُورُ عَلَى الْمَدِينَةِ مُحَمَّدَ بْنَ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ، وَأَمَرَهُ بِطَلَبِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَبَسَطَ يَدَهُ فِي النَّفَقَةِ فِي طَلَبِهِ. فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ، فَأَخَذَ الْمَالَ وَرَفَعَ فِي مُحَاسَبَتِهِ أَمْوَالًا كَثِيرَةً أَنْفَقَهَا فِي طَلَبِ مُحَمَّدٍ، فَاسْتَبْطَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَاتَّهَمَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِكَشْفِ الْمَدِينَةِ وَأَعْرَاضِهَا، فَطَافَ بِبُيُوتِ النَّاسِ فَلَمْ يَجِدْ مُحَمَّدًا.
فَلَمَّا رَأَى الْمَنْصُورُ مَا قَدْ أَخْرَجَ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَلَمْ يَظْفَرْ بِمُحَمَّدٍ اسْتَشَارَ أَبَا الْعَلَاءِ - رَجُلًا مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ - فِي أَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَخِيهِ، فَقَالَ: أَرَى أَنْ تَسْتَعْمِلَ رَجُلًا مِنْ وَلَدِ الزُّبَيْرِ أَوْ طَلْحَةَ، فَإِنَّهُمْ يَطْلُبُونَهُمَا بِذَحْلٍ، وَيُخْرِجُونَهُمَا إِلَيْكَ. فَقَالَ: قَاتَلَكَ اللَّهُ مَا أَجْوَدَ مَا رَأَيْتَ! وَاللَّهِ مَا خَفِيَ عَلَيَّ هَذَا، وَلَكِنَّنِي أُعَاهِدُ اللَّهَ لَا أَنْتَقِمُ مِنْ بَنِي عَمِّي وَأَهْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute