بَيْتِي بِعَدُوِّي وَعَدُوِّهِمْ، وَلَكِنِّي أَبْعَثُ عَلَيْهِمْ صُعْلُوكًا مِنَ الْعَرَبِ يَفْعَلُ بِهِمْ مَا قُلْتَ.
فَاسْتَشَارَ يَزِيدَ بْنَ يَزِيدَ السُّلَمِيَّ وَقَالَ لَهُ: دُلَّنِي عَلَى فَتًى مُقِلٍّ مِنْ قَيْسٍ أُغْنِيهِ وَأُشَرِّفُهُ وَأُمَكِّنُهُ مِنْ سَيِّدِ الْيَمَنِ، يَعْنِي ابْنَ الْقَسْرِيِّ، [قَالَ] : هُوَ رِيَاحُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَيَّانَ الْمُرِّيُّ، فَسَيَّرَهُ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ.
وَقِيلَ: إِنَّ رِيَاحًا ضَمِنَ لِلْمَنْصُورِ أَنْ يُخْرِجَ مُحَمَّدًا وَإِبْرَاهِيمَ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ إِنِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَيْهَا، فَسَارَ حَتَّى دَخَلَهَا، فَلَمَّا دَخَلَ دَارَ مَرْوَانَ، وَهِيَ الَّتِي كَانَ يَنْزِلُهَا الْأُمَرَاءُ، قَالَ لِحَاجِبٍ كَانَ لَهُ يُقَالُ لَهُ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: هَذِهِ دَارُ مَرْوَانَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنَّهَا مِحْلَالٌ مِظْعَانٌ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَظْعَنُ مِنْهَا.
فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ قَالَ لِحَاجِبِهِ: يَا أَبَا الْبَخْتَرِيِّ، خُذْ بِيَدِي نَدْخُلْ عَلَى هَذَا الشَّيْخِ، يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ، فَدَخَلَا عَلَيْهِ، وَقَالَ رِيَاحٌ: أَيُّهَا الشَّيْخُ، إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاللَّهِ مَا اسْتَعْمَلَنِي لِرَحِمٍ قَرِيبَةٍ، وَلَا لِيَدٍ سَلَفَتْ إِلَيْهِ، وَاللَّهِ لَا لَعِبْتَ فِيَّ كَمَا لَعِبْتَ بِزِيَادٍ وَابْنِ الْقَسْرِيِّ، وَاللَّهِ لَأُزْهِقَنَّ نَفْسَكَ، أَوْ لَتَأْتِيَنِّي بِابْنَيْكَ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ! فَرَفَعَ رَأَسَهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: نَعَمْ، أَمَا وَاللَّهِ إِنَّكَ لَأُزَيْرِقُ قَيْسٍ الْمَذْبُوحُ فِيهَا كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ! .
قَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: فَانْصَرَفَ وَاللَّهِ رِيَاحٌ آخِذًا بِيَدِي، أَجِدُ بَرْدَ يَدِهِ، وَإِنَّ رِجْلَيْهِ لَتَخُطَّانِ الْأَرْضَ مِمَّا كَلَّمَهُ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ هَذَا مَا اطَّلَعَ عَلَى الْغَيْبِ. قَالَ: إِيهًا، وَيْلَكَ! فَوَاللَّهِ مَا قَالَ إِلَّا مَا سَمِعَ. فَذُبِحَ كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ.
ثُمَّ إِنَّهُ دَعَا بِالْقَسْرِيِّ وَسَأَلَهُ عَنِ الْأَمْوَالِ، فَضَرَبَهُ وَسَجَنَهُ، وَأَخَذَ كَاتِبَهُ رِزَامًا وَعَاقَبَهُ فَأَكْثَرَ، وَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ مَا أَخَذَ مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَهُوَ لَا يُجِيبُهُ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ الْعَذَابُ أَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ رِيَاحٌ: أَحْضِرِ الرَّفِيعَةَ وَقْتَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ أَحْضَرَهُ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْأَمِيرَ أَمَرَنِي أَنْ أَرْفَعَ عَلَى ابْنِ خَالِدٍ، وَقَدْ كَتَبْتُ كِتَابًا لِأَنْجُوَ بِهِ، وَإِنَّا لَنُشْهِدُكُمْ أَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ بَاطِلٌ. فَأَمَرَ رِيَاحٌ فَضُرِبَ مِائَةَ سَوْطٍ، وَرُدَّ إِلَى السِّجْنِ.
وَجَدَّ رِيَاحٌ فِي طَلَبِ مُحَمَّدٍ، فَأُخْبِرَ أَنَّهُ فِي شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ رَضْوَى، جَبَلِ جُهَيْنَةَ، وَهُوَ فِي عَمَلِ يَنْبُعَ، فَأَمَرَ عَامِلَهُ فِي طَلَبِ مُحَمَّدٍ، فَهَرَبَ مِنْهُ رَاجِلًا، فَأَفْلَتَ وَلَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute