للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَضَرَبَهُمَا الْمَنْصُورُ وَحَبَسَهُمَا وَحَبَسَ عَلِيًّا، فَبَقِيَ مَحْبُوسًا إِلَى أَنْ مَاتَ.

وَكَتَبَ الْمَنْصُورُ إِلَى رِيَاحٍ أَنْ يَحْبِسَ مَعَهُمْ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ الْمَعْرُوفَ بِالدِّيبَاجِ، وَكَانَ أَخَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ، لِأَنَّ أُمَّهُمَا جَمِيعًا فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَأَخَذَهُ مَعَهُمْ.

وَقِيلَ: إِنَّ الْمَنْصُورَ حَبَسَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَحْدَهُ، وَتَرَكَ بَاقِيَ أَوْلَادِ الْحَسَنِ، فَلَمْ يَزَلْ مَحْبُوسًا، فَبَقِيَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ قَدْ نَصَلَ خِضَابُهُ حُزْنًا عَلَى أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ الْمَنْصُورُ يَقُولُ: مَا فَعَلَتِ الْحَادَّةُ؟ وَمَرَّ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ وَهُوَ يَعْلِفُ إِبِلًا لَهُ فَقَالَ: أَتَعْلِفُ إِبِلَكَ وَعَبْدُ اللَّهِ مَحْبُوسٌ! يَا غُلَامُ، أَطْلِقْ عُقُلَهَا! فَأَطْلَقَهَا ثُمَّ صَاحَ فِي أَدْبَارِهَا، فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا بِعِيرٌ.

. فَلَمَّا طَالَ حَبْسُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سَعِيدٍ لِلْمَنْصُورِ: أَتَطْمَعُ فِي خُرُوجِ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَبَنُو الْحَسَنِ مُخَلَّوْنَ؟ وَاللَّهِ لَلْوَاحِدُ مِنْهُمْ أَهْيَبُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْأَسَدِ! فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ حَبْسِ الْبَاقِينَ.

ذِكْرُ حَمْلِهِمْ إِلَى الْعِرَاقِ

وَلَمَّا حَجَّ الْمَنْصُورُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ أَرْسَلَ مُحَمَّدَ بْنَ عِمْرَانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ إِلَى بَنِي الْحَسَنِ، وَهُمْ فِي الْحَبْسِ، يَسْأَلُهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا إِلَيْهِ مُحَمَّدًا، وَإِبْرَاهِيمَ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ، فَدَخَلَا عَلَيْهِمْ وَعَبْدُ اللَّهِ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَأَبْلَغَاهُمُ الرِّسَالَةَ، فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا عَمَلُ ابْنَيِ الْمَشُومَةِ! أَمَا وَاللَّهِ مَا هَذَا عَنْ رَأْيِنَا وَلَا عَنْ مَلَإٍ مِنَّا وَلَنَا فِيهِ حُكْمٌ.

فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ إِبْرَاهِيمُ: عَلَامَ تُؤْذِي أَخَاكَ فِي ابْنَيْهِ وَتُؤْذِي ابْنَ أَخِيكَ فِي أُمِّهِ؟ ثُمَّ فَرَغَ عَبْدُ اللَّهِ مِنْ صَلَاتِهِ فَأَبْلَغَاهُ الرِّسَالَةَ، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ (لَا أَرُدُّ عَلَيْكُمَا حَرْفًا، إِنْ أَحَبَّ) أَنْ يَأْذَنَ لِي فَأَلْقَاهُ فَلْيَفْعَلْ. فَانْطَلَقَ الرَّسُولَانِ فَأَبْلَغَا الْمَنْصُورَ، فَقَالَ: أَرَادَ أَنْ يَسْحَرَنِي، لَا وَاللَّهِ لَا تَرَى عَيْنُهُ عَيْنِي حَتَّى يَأْتِيَنِي بِابْنَيْهِ.

وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يُحَدِّثُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا فَتَلَهُ عَنْ رَأْيِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>