وَأَصَابَ إِحْدَى عَيْنَيْهِ سَوْطٌ فَسَالَتْ، ثُمَّ أُخْرِجَ وَكَأَنَّهُ زِنْجِيٌّ مِنَ الضَّرْبِ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، وَكَانَ يُسَمَّى الدِّيبَاجَ لِحُسْنِهِ.
فَلَمَّا أُخْرِجَ وَثَبَ إِلَيْهِ مَوْلًى لَهُ فَقَالَ: أَلَا أَطْرَحُ رِدَائِي عَلَيْكَ؟ قَالَ: بَلَى جُزِيتَ خَيْرًا! وَاللَّهِ إِنَّ لَشُفُوفَ إِزَارِي أَشُدُّ عَلَيَّ مِنَ الضَّرْبِ.
وَكَانَ سَبَبُ أَخْذِهِ أَنَّ رِيَاحًا قَالَ لِلْمَنْصُورِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّا أَهْلُ خُرَاسَانَ فَشِيعَتُكَ، وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ فَشِيعَةُ آلِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّامِ فَوَاللَّهِ مَا عَلِيٌّ عِنْدَهُمْ إِلَّا كَافِرٌ، وَلَكِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْعُثْمَانِيَّ لَوْ دَعَا أَهْلَ الشَّامِ مَا تَخَلَّفَ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ. فَوَقَعَتْ فِي نَفْسِ الْمَنْصُورِ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخِذَ مَعَهُمْ، وَكَانَ حَسَنَ الرَّأْيِ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ.
ثُمَّ إِنَّ أَبَا عَوْنٍ كَتَبَ إِلَى الْمَنْصُورِ: إِنَّ أَهْلَ خُرَاسَانَ قَدْ تَعَاشَوْا عَنِّي وَطَالَ عَلَيْهِمْ أَمْرُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. فَأَمَرَ الْمَنْصُورُ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُثْمَانِيِّ فَقُتِلَ، وَأَرْسَلَ رَأْسَهُ إِلَى خُرَاسَانَ، وَأَرْسَلَ مَعَهُ مَنْ يَحْلِفُ أَنَّهُ رَأْسُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَّ أُمَّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا قُتِلَ قَالَ أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ! إِنْ كُنَّا لَنَأْمَنُ بِهِ فِي سُلْطَانِهِمْ ثُمَّ قَدْ قُتِلَ مِنَّا فِي سُلْطَانِنَا!
ثُمَّ إِنَّ الْمَنْصُورَ أَخَذَهُمْ وَسَارَ بِهِمْ مِنَ الرَّبْذَةِ فَمَرَّ بِهِمْ عَلَى بَغْلَةٍ شَقْرَاءَ، فَنَادَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ مَا هَكَذَا فَعَلْنَا بِأُسَرَائِكُمْ يَوْمَ بَدْرٍ! فَأَخْسَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَثَقُلَ عَلَيْهِ وَمَضَى.
فَلَمَّا قَدِمُوا إِلَى الْكُوفَةِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِمَنْ مَعَهُ: أَمَا تَرَوْنَ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ مَنْ يَمْنَعُنَا مِنْ هَذَا الطَّاغِيَةِ؟ قَالَ: فَلَقِيَهُ الْحَسَنُ وَعَلِيٌّ ابْنَا أَخِيهِ مُشْتَمِلَيْنِ عَلَى سَيْفَيْنِ فَقَالَا لَهُ: قَدْ جِئْنَاكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَمُرْنَا بِالَّذِي تُرِيدُ. قَالَ: قَدْ قَضَيْتُمَا مَا عَلَيْكُمَا وَلَنْ تُغْنِيَا فِي هَؤُلَاءِ شَيْئًا، فَانْصَرَفَا.
ثُمَّ إِنَّ الْمَنْصُورَ أَوْدَعَهُمْ بِقَصْرِ ابْنِ هُبَيْرَةَ شَرْقِيِّ الْكُوفَةِ، وَأَحْضَرَ الْمَنْصُورُ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ، وَكَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ صُورَةً، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ الدِّيبَاجُ الْأَصْغَرُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute