مِنَ الْمَدِينَةِ فَهُوَ آمِنٌ، خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ صَاحِبِنَا، فَإِمَّا لَنَا وَإِمَّا لَهُ! فَشَتَمُوهُ.
وَانْصَرَفَ مِنْ يَوْمِهِ وَعَادَ مِنَ الْغَدِ وَقَدْ فَرَّقَ الْقُوَّادَ مِنْ سَائِرِ جِهَاتِ الْمَدِينَةِ، وَأَخْلَى نَاحِيَةَ مَسْجِدِ أَبِي الْجَرَّاحِ، وَهُوَ عَلَى بُطْحَانَ، فَإِنَّهُ أَخْلَى تِلْكَ النَّاحِيَةَ لِخُرُوجِ مَنْ يَنْهَزِمُ.
وَبَرَزَ مُحَمَّدٌ فِي أَصْحَابِهِ، وَكَانَتْ رَايَتُهُ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ شِعَارُهُ: أَحَدٌ أَحَدٌ. فَبَرَزَ أَبُو الْقَلَمَّسِ، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ أَخُو أَسَدٍ وَاقْتَتَلُوا طَوِيلًا، فَقَتَلَهُ أَبُو الْقَلَمَّسِ، وَبَرَزَ إِلَيْهِ آخَرُ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ حِينَ ضَرَبَهُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْفَارُوقِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ عِيسَى: قَتَلْتَ خَيْرًا مِنْ أَلْفِ فَارُوقٍ.
وَقَاتَلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ قِتَالًا عَظِيمًا، فَقَتَلَ بِيَدِهِ سَبْعِينَ رَجُلًا، وَأَمَرَ عِيسَى حُمَيْدَ بْنَ قَحْطَبَةَ، فَتَقَدَّمَ فِي مِائَةٍ كُلُّهُمْ رَاجِلٌ سِوَاهُ، فَزَحَفُوا حَتَّى بَلَغُوا جِدَارًا دُونَ الْخَنْدَقِ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، فَهَدَمَ حُمَيْدٌ الْحَائِطَ وَانْتَهَى إِلَى الْخَنْدَقِ وَنَصَبَ عَلَيْهِ أَبْوَابًا وَعَبَرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَلَيْهَا فَجَازُوا الْخَنْدَقَ وَقَاتَلُوا مِنْ وَرَائِهِ أَشَدَّ قِتَالٍ مِنْ بُكْرَةٍ إِلَى الْعَصْرِ.
وَأَمَرَ عِيسَى أَصْحَابَهُ فَأَلْقَوُا الْحَقَائِبَ وَغَيْرَهَا فِي الْخَنْدَقِ وَجَعَلَ الْأَبْوَابَ عَلَيْهَا وَجَازَتِ الْخَيْلُ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَانْصَرَفَ مُحَمَّدٌ قَبْلَ الظُّهْرِ فَاغْتَسَلَ وَتَحَنَّطَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! وَاللَّهِ مَا لَكَ بِمَا تَرَى طَاقَةٌ! فَلَوْ أَتَيْتَ الْحَسَنَ بْنَ مُعَاوِيَةَ بِمَكَّةَ فَإِنَّ مَعَهُ جُلَّ أَصْحَابِكَ. فَقَالَ: لَوْ خَرَجْتُ لَقُتِلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَاللَّهِ لَا أَرْجِعُ حَتَّى أَقْتُلَ أَوْ أُقْتَلَ، وَأَنْتَ مِنِّي فِي سَعَةٍ فَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ.
فَمَشَى مَعَهُ قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، وَتَفَرَّقَ عَنْهُ جُلُّ أَصْحَابِهِ حَتَّى بَقِيَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ يَزِيدُونَ قَلِيلًا، فَقَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: نَحْنُ الْيَوْمَ بِعِدَّةِ أَهْلِ بَدْرٍ.
وَصَلَّى مُحَمَّدٌ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَكَانَ مَعَهُ عِيسَى بْنُ خُضَيْرٍ وَهُوَ يُنَاشِدُهُ إِلَّا ذَهَبْتَ إِلَى الْبَصْرَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا تُبْتَلَوْنَ بِي مَرَّتَيْنِ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ حَيْثُ شِئْتَ. فَقَالَ ابْنُ خُضَيْرٍ: وَأَيْنَ الْمَذْهَبُ عَنْكَ؟ ثُمَّ مَضَى فَأَحْرَقَ الدِّيوَانَ الَّذِي فِيهِ أَسْمَاءُ مَنْ بَايَعَهُ، وَقَتَلَ رِيَاحَ بْنَ عُثْمَانَ، وَأَخَاهُ عَبَّاسَ بْنَ عُثْمَانَ، وَقَتَلَ ابْنَ مُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ الْمُرِّيَّ، وَمَضَى إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْقَسْرِيِّ وَهُوَ مَحْبُوسٌ لِيَقْتُلَهُ، فَعَلِمَ بِهِ فَرَدَمَ الْأَبْوَابَ دُونَهُ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، وَرَجَعَ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقَاتَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ [حَتَّى قُتِلَ] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute