وَتَقَدَّمَ حُمَيْدُ بْنُ قَحْطَبَةَ وَتَقَدَّمَ مُحَمَّدٌ، فَلَمَّا صَارَ يَنْظُرُ مَسِيلَ سَلْعٍ عَرْقَبَ فَرَسُهُ، وَعَرْقَبَ بَنُو شُجَاعٍ الْخَمِيسِيُّونَ دَوَابَّهُمْ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا كَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ، فَقَالَ لَهُمْ مُحَمَّدٌ: قَدْ بَايَعْتُمُونِي وَلَسْتُ بَارِحًا حَتَّى أُقْتَلَ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْصَرِفَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ. وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، فَهَزَمُوا أَصْحَابَ عِيسَى مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا.
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ جَعْفَرٍ: وَيْلُ أُمِّهِ فَتْحًا لَوْ كَانَ لَهُ رِجَالٌ! فَصَعِدَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ عِيسَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ وَانْحَدَرُوا مِنْهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَمَرَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ حَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ بِخِمَارٍ أَسْوَدَ، فَرُفِعَ عَلَى مَنَارَةِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ: دُخِلَتِ الْمَدِينَةُ، فَهَرَبُوا، فَقَالَ يَزِيدُ: لِكُلِّ قَوْمٍ جَبَلٌ يَعْصِمُهُمْ، وَلَنَا جَبَلٌ لَا نُؤْتَى إِلَّا مِنْهُ، يَعْنِي سَلْعًا.
وَفَتَحَ بَنُو أَبِي عَمْرٍو الْغِفَارِيُّونَ طَرِيقًا فِي بَنِي غِفَارٍ لِأَصْحَابِ عِيسَى وَدَخَلُوا مِنْهُ أَيْضًا، وَجَاءُوا مِنْ وَرَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، وَنَادَى مُحَمَّدٌ حُمَيْدَ بْنَ قَحْطَبَةَ: ابْرُزْ إِلَيَّ فَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. فَقَالَ حُمَيْدٌ: قَدْ عَرَفْتُكَ وَأَنْتَ الشَّرِيفُ ابْنُ الشَّرِيفِ الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ، لَا وَاللَّهِ لَا أَبْرُزُ إِلَيْكَ وَبَيْنَ يَدَيَّ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَغْمَارِ أَحَدٌ، فَإِذَا فَرَغْتُ مِنْهُمْ فَسَأَبْرُزُ إِلَيْكَ.
وَجَعَلَ حُمَيْدٌ يَدْعُو ابْنَ خُضَيْرٍ إِلَى الْأَمَانِ وَيَشِحُّ بِهِ عَلَى الْمَوْتِ، وَابْنُ خُضَيْرٍ يَحْمِلُ عَلَى النَّاسِ رَاجِلًا لَا يُصْغِي إِلَى أَمَانِهِ، وَهُوَ يَأْخُذُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ عِيسَى عَلَى أَلْيَتِهِ فَحَلَّهَا، فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَشَدَّهَا بِثَوْبٍ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْقِتَالِ، فَضَرَبَهُ إِنْسَانٌ عَلَى عَيْنِهِ فَغَاصَ السَّيْفُ وَسَقَطَ، فَابْتَدَرُوهُ فَقَتَلُوهُ وَاحْتَزُّوا رَأْسَهُ، وَكَأَنَّهُ بِاذِنْجَانَةٌ مُفَلَّقَةٌ مِنْ كَثْرَةِ الْجِرَاحِ فِيهِ.
فَلَمَّا قُتِلَ تَقَدَّمَ مُحَمَّدٌ فَقَاتَلَ عَلَى جِيفَتِهِ، فَجَعَلَ يَهُذُّ النَّاسَ هَذًّا، وَكَانَ أَشْبَهَ النَّاسِ بِقِتَالِ حَمْزَةَ.
وَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ حَتَّى ضَرَبَهُ رَجُلٌ دُونَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ الْيُمْنَى فَبَرَكَ لِرُكْبَتِهِ وَجَعَلَ يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ وَيَقُولُ: وَيْحَكُمُ ابْنُ نَبِيِّكُمْ مُجَرَّحٌ مَظْلُومٌ! فَطَعَنَهُ ابْنُ قَحْطَبَةَ فِي صَدْرِهِ فَصَرَعَهُ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَيْهِ فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ وَأَتَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute