للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَى الْهِنْدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ مَلِكُ الْهِنْدِ، فَأَمَرَ الْإِسْكَنْدَرَ بِتِلْكَ الْفِيَلَةِ فَمُلِئَتْ بُطُونُهَا مِنَ النِّفْطِ وَالْكِبْرِيتِ، وَجَرَتْ عَلَى الْعَجَلِ فِي وَسَطِ الْمَعْرَكَةِ وَمَعَهَا جَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا نَشِبَتِ الْحَرْبُ أَمَرَ بِإِشْعَالِ النَّارِ فِي تِلْكَ الْفِيَلَةِ، فَلَمَّا حَمِيَتِ انْكَشَفَ أَصْحَابُهُ عَنْهَا وَغَشِيَتْهَا فِيَلَةُ الْهِنْدِ، فَضَرَبَتْهَا بِخَرَاطِيمِهَا فَاحْتَرَقَتْ وَوَلَّتْ هَارِبَةً رَاجِعَةً إِلَى الْهِنْدِ، فَانْهَزَمُوا بَيْنَ يَدَيْهَا.

وَمِنْ حِيَلِهِ أَنَّهُ أَنْزَلَ عَلَى مَدِينَةٍ حَصِينَةٍ وَكَانَ بِهَا كَثِيرٌ مِنَ الْأَقْوَاتِ وَبِهَا عُيُونُ مَاءٍ، فَعَادَ عَنْهَا فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا قَوْمًا عَلَى هَيْئَةِ التُّجَّارِ وَمَعَهُمْ أَمْتِعَةٌ يَبِيعُونَهَا وَأَمَرَهُمْ بِمُشْتَرَى الطَّعَامِ وَالْمَغَالَاتِ فِي ثَمَنِهَا، فَإِذَا صَارَ عِنْدَهُمْ أَحْرَقُوهُ وَهَرَبُوا، فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَهَرَبُوا إِلَيْهِ فَأَنْفَذَ السَّرَايَا إِلَى سَوَادِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ وَأَمَرَهُمْ بِالْغَارَةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَهَرَبُوا وَدَخَلُوا الْبَلَدَ لِيَحْتَمُوا بِهِ، فَسَارَ الْإِسْكَنْدَرُ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَمْتَنِعُوا عَلَيْهِ.

وَكَتَبَ إِلَى أَرِسْطَا طَالِيسَ يَذْكُرُ لَهُ أَنَّهُ مِنْ خَاصَّةِ الرُّومِ جَمَاعَةٌ لَهُمْ هِمَمٌ بَعِيدَةٌ وَنُفُوسٌ كَبِيرَةٌ وَشُجَاعَةٌ، وَأَنَّهُ يَخَافُهُمْ عَلَى نَفْسِهِ وَيَكْرَهُ قَتْلَهُمْ بِالظِّنَّةِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَرِسْطَا طَالِيسُ: فَهِمْتُ كِتَابَكَ، فَإِنَّ مَا ذَكَرْتَ مِنْ بُعْدِ هِمَمِهِمْ فَإِنَّ الْوَفَاءَ مِنْ بُعْدِ الْهِمَّةِ وَكِبَرِ النَّفْسِ، وَالْغَدْرَ مِنْ دَنَاءَةِ النَّفْسِ وَخِسَّتِهَا، وَأَمَّا شَجَاعَتُهُمْ وَنَقْصُ عُقُولِهِمْ، فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالَهُ فَرَفِّهْهُ فِي مَعِيشَتِهِ وَاخْصُصْهُ بِحِسَانِ النِّسَاءِ، فَإِنَّ رَفَاهِيَةَ الْعَيْشِ تُمِيتُ الشَّجَاعَةَ، وَتُحَبِّبُ السَّلَامَةَ، وَإِيَّاكَ وَالْقَتْلَ فَإِنَّهُ ذِلَّةٌ لَا تُسْتَقَالُ وَذَنْبٌ لَا يُغْفَرُ، وَعَاقِبْ بِدُونِ الْقَتْلِ تَكُنْ قَادِرًا عَلَى الْعَفْوِ، فَمَا أَحْسَنَ الْعَفْوَ مِنَ الْقَادِرِ، وَلْيَحْسُنْ خُلُقُكَ تَخْلُصْ لَكَ النِّيَّاتُ بِالْمَحَبَّةِ، وَلَا تُؤْثِرْ نَفْسَكَ عَلَى أَصْحَابِكَ، فَلَيْسَ مَعَ الِاسْتِئْثَارِ مَحَبَّةٌ، وَلَا مَعَ الْمُؤَاسَاةِ بُغْضَةٌ.

وَكَتَبَ إِلَى أَرِسْطَا طَالِيسَ أَيْضًا لَمَّا مَلَكَ بِلَادَ فَارِسَ يَذْكُرُ أَنَّهُ رَأَى بِإِيرَانِ شَهْرَ رِجَالًا ذَوِي رَأْيٍ، وَصَرَامَةٍ، وَشَجَاعَةٍ، وَجَمَالٍ، وَأَنْسَابٍ رَفِيعَةٍ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا مَلَكَهُمْ بِالْحَظِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>