الْخَنْدَقَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي عَلَيْهِ بَكَّارُ بْنُ سَلْمٍ، فَحَمَلُوا عَلَى أَصْحَابِ بَكَّارٍ حَمْلَةً هَزَمُوهُمْ بِهَا، فَرَمَى بَكَّارٌ بِنَفْسِهِ، فَتَرَجَّلَ عَلَى بَابِ الْخَنْدَقِ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: لَا يُؤْتَى الْمُسْلِمُونَ مِنْ نَاحِيَتِنَا.
تَرَجَّلَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ نَحْوٌ مِنْ خَمْسِينَ رُجَلًا وَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى رَدُّوهُمْ مِنْ بَابِهِمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى الْبَابِ الَّذِي عَلَيْهِ خَازِمٌ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ أُسْتَاذْ سِيسْ مِنْ أَهْلِ سِجِسْتَانَ اسْمُهُ الْحَرِيشُ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُدَبِّرُ أَمْرَهُ، فَلَمَّا رَآهُ خَازِمٌ مُقْبِلًا بَعَثَ إِلَى الْهَيْثَمِ بْنِ شُعْبَةَ، وَكَانَ فِي الْمَيْمَنَةِ، يَأْمُرُهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي عَلَيْهِ بَكَّارٌ، فَإِنَّ مَنْ بِإِزَائِهِ قَدْ شُغِلُوا عَنْهُمْ، وَيَسِيرُ حَتَّى يَغِيبَ عَنْ أَبْصَارِهِمْ، ثُمَّ يَرْجِعُ مِنْ خَلْفِ الْعَدُوِّ، وَقَدْ كَانُوا يَتَوَقَّعُونَ قُدُومَ أَبِي عَوْنٍ، وَعَمْرِو بْنِ سَلْمِ بْنِ قُتَيْبَةَ مِنْ طَخَارِسْتَانَ.
وَبَعَثَ خَازِمٌ إِلَى بَكَّارٍ: إِذَا رَأَيْتَ رَايَاتِ الْهَيْثَمِ قَدْ جَاءَتْ كَبِّرُوا وَقُولُوا: قَدْ جَاءَ أَهْلُ طَخَارِسْتَانَ. فَفَعَلَ ذَلِكَ الْهَيْثَمُ، وَخَرَجَ خَازِمٌ فِي الْقَلْبِ عَلَى الْحَرِيشِ وَشَغَلَهُمْ بِالْقِتَالِ، وَصَبَرَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.
فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ نَظَرُوا إِلَى أَعْلَامِ الْهَيْثَمِ فَتَنَادَوْا بَيْنَهُمْ: جَاءَ أَهْلُ طَخَارِسْتَانَ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهَا حَمَلَ عَلَيْهِمْ أَصْحَابُ خَازِمٍ فَكَشَفُوهُمْ، وَلَقِيَهُمْ أَصْحَابُ الْهَيْثَمِ فَطَعَنُوهُمْ بِالرِّمَاحِ وَرَمَوْهُمْ بِالنُّشَّابِ.
وَخَرَجَ [عَلَيْهِمْ] نَهَارُ بْنُ حُصَيْنٍ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَيْسَرَةِ، وَبَكَّارُ بْنُ سَلْمٍ وَأَصْحَابُهُ مِنْ نَاحِيَتِهِمْ، فَهَزَمُوهُمْ وَوَضَعُوا فِيهِمُ السُّيُوفَ، فَقَتَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فَأَكْثَرُوا، وَكَانَ عَدَدُ مَنْ قُتِلَ سَبْعِينَ أَلْفًا، وَأَسَرُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَنَجَا أُسْتَاذْ سِيسْ إِلَى جَبَلٍ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ، فَحَصَرَهُمْ خَازِمٌ، وَقَتَلَ الْأَسْرَى.
وَوَافَاهُ أَبُو عَوْنٍ وَعَمْرُو بْنُ سَلْمٍ وَمَنْ مَعَهُمَا، فَنَزَلَ أُسْتَاذْ سِيسْ عَلَى حُكْمِ أَبِي عَوْنٍ، فَحَكَمَ أَنْ يُوثَقَ أُسْتَاذْ سِيسْ وَبَنُوهُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ بِالْحَدِيدِ، وَأَنْ يُعْتَقَ الْبَاقُونَ وَهُمْ ثَلَاثُونَ أَلْفًا، فَأَمْضَى خَازِمٌ حُكْمَهُ وَكَسَا كُلَّ رَجُلٍ ثَوْبَيْنِ، وَكَتَبَ إِلَى الْمَهْدِيِّ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ الْمَهْدِيُّ إِلَى الْمَنْصُورِ.
وَقِيلَ: إِنَّ خُرُوجَ أُسْتَاذْ سِيسْ كَانَ سَنَةَ خَمْسِينَ، وَكَانَتْ هَزِيمَتُهُ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ أُسْتَاذْ سِيسْ ادَّعَى النُّبُوَّةَ، وَأَظْهَرَ أَصْحَابُهُ الْفِسْقَ وَقَطْعَ السَّبِيلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute