مُتَعَمِّدًا مَخَافَةَ أَنْ يَبُوءَ بِدَمِهِ، فَلَمْ يَقْصِدْهُ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَدَعَ أَخْذَهُ، وَلَا أَدَعُ أَحَدًا يَحْظَى بِأَخْذِهِ أَوْ قَتْلِهِ عِنْدَ الْمَنْصُورِ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ فِي عَشَرَةٍ، فَقَصَدَهُ فَقَاتَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَقَاتَلَ أَصْحَابُهُ حَتَّى قُتِلَ وَقُتِلُوا جَمِيعًا، فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ مُخْبِرٌ، وَسَقَطَ عَبْدُ اللَّهِ بَيْنَ الْقَتْلَى فَلَمْ يُشْعَرْ بِهِ.
وَقِيلَ: إِنَّ أَصْحَابَهُ قَذَفُوهُ فِي مِهْرَانَ حَتَّى لَا يُحْمَلَ رَأْسُهُ، فَكَتَبَ هِشَامٌ بِذَلِكَ إِلَى الْمَنْصُورِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمَنْصُورُ يَشْكُرُهُ وَيَأْمُرُهُ بِمُحَارَبَةِ ذَلِكَ الْمَلِكِ، فَحَارَبَهُ حَتَّى ظَفِرَ بِهِ وَقَتَلَهُ وَغَلَبَ عَلَى مَمْلَكَتِهِ.
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ قَدِ اتَّخَذَ سَرَارِيَّ فَأَوْلَدَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وَلَدًا، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأَشْتَرِ، فَأَخَذَ هِشَامٌ السَّرَارِيَّ وَالْوَلَدَ مَعَهُنَّ فَسَيَّرَهَنُ إِلَى الْمَنْصُورِ، فَسَيَّرَ الْمَنْصُورُ الْوَلَدَ إِلَى عَامِلِهِ بِالْمَدِينَةِ، وَكَتَبَ مَعَهُ بِصِحَّةِ نَسَبِهِ وَتَسْلِيمِهِ إِلَى أَهْلِهِ.
ذِكْرُ وِلَايَةِ أَبِي جَعْفَرٍ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ إِفْرِيقِيَّةَ.
فِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَعْمَلَ الْمَنْصُورُ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ أَبَا جَعْفَرٍ عُمَرَ بْنَ حَفْصٍ مِنْ وَلَدِ قَبِيصَةَ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ أَخِي الْمُهَلَّبِ، وَإِنَّمَا نُسِبَ [إِلَى] بَيْتِ الْمُهَلَّبِ لِشُهْرَتِهِ.
وَكَانَ سَبَبُ مَسِيرِهِ إِلَيْهَا أَنَّ الْمَنْصُورَ لَمَّا بَلَغَهُ قَتْلُ الْأَغْلَبِ بْنِ سَالِمٍ خَافَ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ، فَوَجَّهَ إِلَيْهَا عُمَرَ وَالِيًا، فَقَدِمَ الْقَيْرَوَانَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ فِي خَمْسِمِائَةِ فَارِسٍ، فَاجْتَمَعَ وُجُوهُ الْبَلَدِ فَوَصَلَهُمْ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَأَقَامَ وَالْأُمُورُ مُسْتَقِيمَةٌ ثَلَاثَ سِنِينَ.
فَسَارَ إِلَى الزَّابِ لِبِنَاءِ مَدِينَةِ طُبْنَةَ بِأَمْرِ الْمَنْصُورِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْقَيْرَوَانِ حَبِيبَ بْنَ حَبِيبٍ الْمُهَلَّبِيَّ، فَخَلَتْ إِفْرِيقِيَّةُ مِنَ الْجُنْدِ، فَثَارَ بِهَا الْبَرْبَرُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ حَبِيبٌ فَقُتِلَ، وَاجْتَمَعَ الْبَرْبَرُ بِطَرَابُلُسَ وَوَلَّوْا عَلَيْهِمْ أَبَا حَاتِمٍ الْإِبَاضِيَّ، وَاسْمُهُ يَعْقُوبُ بْنُ حَبِيبٍ مَوْلَى كِنْدَةَ.
وَكَانَ عَامِلُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ عَلَى طَرَابُلُسَ الْجُنَيْدَ بْنَ بَشَّارٍ الْأَسَادِيَّ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ يَسْتَمِدُّهُ، فَأَمَدَّهُ بِعَسْكَرٍ، فَالْتَقَوْا وَقَاتَلُوا أَبَا حَاتِمٍ الْإِبَاضِيَّ، فَهَزَمَهُمْ فَسَارُوا إِلَى قَابِسٍ، وَحَصَرَهُمْ أَبُو حَاتِمٍ وَعُمَرُ مُقِيمٌ بِالزَّابِ عَلَى عِمَارَةِ طُبْنَةَ، وَانْتَقَضَتْ إِفْرِيقِيَّةُ مِنْ كُلِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute