كُلِّ يَوْمٍ يَكُونُ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ وَحَرْبٌ.
فَلَمَّا ضَاقَ الْأَمْرُ بِعُمَرَ وَبِمَنْ مَعَهُ قَالَ لَهُمْ: الرَّأْيُ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ الْحِصَارِ، وَأُغِيرَ عَلَى بِلَادِ الْبَرْبَرِ، وَأَحْمِلَ إِلَيْكُمُ الْمِيرَةَ. قَالُوا: إِنَّا نَخَافُ بَعْدَكَ، قَالَ: فَأُرْسِلُ فُلَانًا وَفُلَانًا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ، فَأَجَابُوهُ، فَلَمَّا قَالَ لِلرَّجُلَيْنِ قَالَا: لَا نَتْرُكُكَ فِي الْحِصَارِ وَنَسِيرُ عَنْكَ.
فَعَزَمَ عَلَى إِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَى الْمَوْتِ، فَأَتَى الْخَبَرُ أَنَّ الْمَنْصُورَ قَدْ سَيَّرَ إِلَيْهِ يَزِيدَ بْنَ حَاتِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ بْنِ الْمُهَلَّبِ فِي سِتِّينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ مَنْ عِنْدَهُ بِالتَّوَقُّفِ عَنِ الْقِتَالِ إِلَى أَنْ يَصِلَ الْعَسْكَرُ، فَلَمْ يَفْعَلْ وَخَرَجَ وَقَاتَلَ، فَقُتِلَ مُنْتَصَفَ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ.
وَقَامَ بِأَمْرِ النَّاسِ حُمَيْدُ بْنُ صَخْرٍ، وَهُوَ أَخُو عُمَرَ لِأُمِّهِ، فَوَادَعَ أَبَا حَاتِمٍ وَصَالَحَهُ عَلَى أَنَّ حُمَيْدًا وَمَنْ مَعَهُ لَا يَخْلَعُونَ الْمَنْصُورَ وَلَا يُنَازِعُهُمْ أَبُو حَاتِمٍ فِي سَوَادِهِمْ وَسِلَاحِهِمْ، وَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ وَفُتِحَتْ لَهُ الْقَيْرَوَانُ، وَخَرَجَ أَكْثَرُ الْجُنْدِ إِلَى طُبْنَةَ، وَأَحْرَقَ أَبُو حَاتِمٍ أَبْوَابَ الْقَيْرَوَانِ وَثَلَمَ سُورَهَا.
وَبَلَغَهُ وُصُولُ يَزِيدَ بْنِ حَاتِمٍ، فَسَارَ إِلَى طَرَابُلُسَ، وَأَمَرَ صَاحِبَهُ بِالْقَيْرَوَانِ بِأَخْذِ سِلَاحِ الْجُنْدِ، وَأَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ، فَخَالَفَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَقَالُوا: لَا نَغْدِرُ بِهِمْ، وَكَانَ الْمُقَدَّمَ عَلَى الْمُخَالِفِينَ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الْفِهْرِيُّ، وَقَامَ فِي الْقَيْرَوَانِ وَقَتَلَ أَصْحَابَ أَبِي حَاتِمٍ، فَعَادَ أَبُو حَاتِمٍ، فَهَرَبَ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ إِلَى تُونِسَ، وَعَادَ أَبُو حَاتِمٍ إِلَى طَرَابُلُسَ لِقِتَالِ يَزِيدَ بْنِ حَاتِمٍ.
فَقِيلَ: كَانَ بَيْنَ الْخَوَارِجِ وَالْجُنُودِ مِنْ لَدُنْ قَاتَلُوا عُمَرَ بْنَ حَفْصٍ إِلَى انْقِضَاءِ أَمْرِهِمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسٌ وَسَبْعُونَ وَقْعَةً.
ذِكْرُ وِلَايَةِ يَزِيدَ بْنِ حَاتِمٍ إِفْرِيقِيَّةَ وَقِتَالِ الْخَوَارِجِ
لَمَّا بَلَغَ الْمَنْصُورَ مَا حَلَّ بِعُمَرَ بْنِ حَفْصٍ مِنَ الْخَوَارِجِ جَهَّزَ يَزِيدَ بْنَ حَاتِمِ بْنِ قَبِيصَةَ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ فِي سِتِّينَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَسَيَّرَهُ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ، فَوَصَلَهَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ.
فَلَمَّا قَارَبَهَا سَارَ إِلَيْهِ بَعْضُ جُنْدِهَا وَاجْتَمَعُوا بِهِ وَسَارُوا مَعَهُ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute