للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَرَابُلُسَ، فَسَارَ أَبُو حَاتِمٍ الْخَارِجِيُّ إِلَى جِبَالِ نَفُوسَةَ، وَسَيَّرَ يَزِيدُ طَائِفَةً مِنَ الْعَسْكَرِ إِلَى قَابِسَ، فَلَقِيَهُمْ أَبُو حَاتِمٍ فَهَزَمَهُمْ، فَعَادُوا إِلَى يَزِيدَ، وَنَزَلَ أَبُو حَاتِمٍ فِي مَكَانٍ وَعْرٍ وَخَنْدَقَ عَلَى عَسْكَرِهِ.

وَعَبَّأَ يَزِيدُ أَصْحَابَهُ وَسَارَ إِلَيْهِ، فَالْتَقَوْا فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ، فَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ، فَانْهَزَمَتِ الْبَرْبَرُ، وَقُتِلَ أَبُو حَاتِمٍ وَأَهْلُ نَجْدَتِهِ، وَطَلَبَهُمْ يَزِيدُ فِي كُلِّ سَهْلٍ وَجَبَلٍ فَقَتَلَهُمْ قَتْلًا ذَرِيعًا، وَكَانَ عِدَّةُ مَنْ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ ثَلَاثِينَ أَلْفًا.

وَجَعَلَ آلُ الْمُهَلَّبِ يَقْتُلُونَ الْخَوَارِجَ وَيَقُولُونَ: يَالَثَارَاتِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ! وَأَقَامَ شَهْرًا يَقْتُلُ الْخَوَارِجَ، ثُمَّ رَحَلَ إِلَى الْقَيْرَوَانِ.

فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفِهْرِيُّ مَعَ أَبِي حَاتِمٍ، فَهَرَبَ إِلَى كُتَامَةَ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِمْ يَزِيدُ بْنُ حَاتِمٍ جَيْشًا فَحَصَرُوا الْبَرْبَرَ وَظَفِرُوا بِهِمْ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَهَرَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقُتِلَ جَمِيعُ مَنْ كَانَ مَعَهُ وَصَفَتْ إِفْرِيقِيَّةُ.

وَأَحْسَنَ يَزِيدُ السِّيرَةَ وَآمَنَ النَّاسَ إِلَى أَنِ انْتَقَضَتْ وَرْفَجُومَةُ (سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ بِأَرْضِ الزَّابِ) وَعَلَيْهَا أَيُّوبُ الْهَوَّارِيُّ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِمْ عَسْكَرًا كَثِيرًا (وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ يَزِيدَ بْنَ مَجْزَاءَ الْمُهَلَّبِيَّ، فَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ يَزِيدُ وَقُتِلَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقُتِلَ الْمُخَارِقُ بْنُ غِفَارٍ صَاحِبُ الزَّابِ.

فَوَلِيَ مَكَانَهُ الْمُهَلَّبُ بْنُ يَزِيدَ الْمُهَلَّبِيُّ، وَأَمَدَّهُمْ يَزِيدُ بْنُ حَاتِمٍ بِجَمْعٍ كَثِيرٍ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ سَعِيدٍ الْمُهَلَّبِيَّ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِمُ الْمُنْهَزِمُونَ وَلَقُوا وَرْفَجُومَةَ) وَاقْتَتَلُوا، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، فَانْهَزَمَتِ الْبَرْبَرُ وَأَيُّوبُ، وَقُتِلُوا بِكُلِّ مَكَانٍ حَتَّى أُتِيَ عَلَى آخِرِهِمْ، وَلَمْ يُقْتَلْ مِنَ الْجُنْدِ أَحَدٌ.

ثُمَّ مَاتَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَةٍ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَاسْتَخْلَفَ ابْنَهُ دَاوُدَ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ.

ذِكْرُ بِنَاءِ الرُّصَافَةِ لِلْمَهْدِيِّ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ قَدِمَ الْمَهْدِيُّ مِنْ خُرَاسَانَ فِي شَوَّالٍ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ أَهْلُ بَيْتِهِ مِنَ الشَّامِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَغَيْرِهَا، فَهَنَّأُوهُ بِمَقْدَمِهِ، فَأَجَازَهُمْ وَحَمَلَهُمْ وَكَسَاهُمْ، وَفَعَلَ بِهِمُ الْمَنْصُورُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَبَنَى لَهُ الرُّصَافَةَ.

وَكَانَ سَبَبُ بِنَائِهَا أَنَّ بَعْضَ الْجُنْدِ شَغَبُوا عَلَى الْمَنْصُورِ وَحَارَبُوهُ عَلَى بَابِ الذَّهَبِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>