فَاسْتَعْمَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى طُلَيْطِلَةَ حَبِيبَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَاسْتَعْمَلَ حَبِيبٌ عَلَى شَنْتَ بَرِيَّةَ سُلَيْمَانَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَأَمَرَهُ بِطَلَبِ شَقْنَا. فَنَزَلَ شَقْنَا إِلَى شَنْتَ بَرِيَّةَ وَأَخَذَ سُلَيْمَانَ فَقَتَلَهُ، وَاشْتَدَّ أَمْرُهُ، وَطَارَ ذِكْرُهُ، وَغَلَبَ عَلَى نَاحِيَةِ قُورِيَّةَ، وَأَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ.
فَعَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأُمَوِيُّ فَغَزَاهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ بِنَفْسِهِ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ فَأَعْيَاهُ أَمْرُهُ، فَعَادَ عَنْهُ وَسَيَّرَ إِلَيْهِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ بَدْرًا مَوْلَاهُ، فَهَرَبَ شَقْنَا وَأَخْلَى حِصْنَهُ شَطْرَانَ، ثُمَّ غَزَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأُمَوِيُّ بِنَفْسِهِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ شَقْنَا.
ثُمَّ سَيَّرَ إِلَيْهِ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ أَبَا عُثْمَانَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ، فَخَدَعَهُ شَقْنَا، وَأَفْسَدَ عَلَيْهِ جُنْدَهُ، فَهَرَبَ عُبَيْدُ اللَّهِ، وَغَنِمَ شَقْنَا عَسْكَرَهُ (وَقَتَلَ جَمَاعَةً مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ كَانُوا فِي الْعَسْكَرِ) .
وَفِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ أَيْضًا سَارَ شَقْنَا بَعْدَ أَنْ غَنِمَ عَسْكَرَ عُبَيْدِ اللَّهِ إِلَى حِصْنِ الْهَوَارِيِّينَ الْمَعْرُوفِ بِمَدَائِنَ، وَبِهِ عَامِلٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَمَكَرَ بِهِ شَقْنَا حَتَّى خَرَجَ إِلَيْهِ، فَقَتَلَهُ شَقْنَا وَأَخَذَ خَيْلَهُ وَسِلَاحَهُ وَجَمِيعَ مَا كَانَ مَعَهُ) .
ذِكْرُ قَتْلِ مَعْنِ بْنِ زَائِدَةَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ الشَّيْبَانِيُّ بِسِجِسْتَانَ، وَكَانَ الْمَنْصُورُ قَدِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا وَصَلَهَا أَرْسَلَ إِلَى رُتْبِيلَ يَأْمُرُهُ بِحَمْلِ الْقَرَارِ الَّذِي عَلَيْهِ كُلَّ سَنَةٍ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عُرُوضًا، وَزَادَ فِي ثَمَنِهَا، فَغَضِبَ مَعْنٌ وَسَارَ إِلَى الرُّخَّجِ وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ ابْنُ أَخِيهِ مَزِيدُ بْنُ زَائِدَةَ، فَوَجَدَ رُتْبِيلَ قَدْ خَرَجَ عَنْهَا إِلَى زَابُلِسْتَانَ لِيُصَيِّفَ بِهَا، فَفَتَحَهَا وَأَصَابَ سَبْيًا كَثِيرًا، وَكَانَ فِي السَّبْيِ فَرَجٌ الرُّخَّجِيُّ، وَهُوَ صَبِيُّ، وَأَبُوهُ زِيَادٌ.
فَرَأَى مَعْنٌ غُبَارًا سَاطِعًا أَثَارَتْهُ حُمُرُ الْوَحْشِ، فَظَنَّ أَنَّهُ جَيْشٌ أَقْبَلَ نَحْوَهُ لِيُخَلِّصَ السَّبْيَ وَالْأَسْرَى، فَأَمَرَ بِوَضْعِ السَّيْفِ فِيهِمْ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ عِدَّةً كَثِيرَةً، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَمْرُ الْغُبَارِ فَأَمْسَكَ.
فَخَافَ مَعْنٌ الشِّتَاءَ وَهُجُومَهُ فَانْصَرَفَ إِلَى بُسْتَ، وَأَنْكَرَ قَوْمٌ مِنَ الْخَوَارِجِ سِيرَتَهُ فَانْدَسُّوا مَعَ فَعَلَةٍ كَانُوا يَبْنُونَ فِي مَنْزِلِهِ، فَلَمَّا بَلَغُوا التَّسْقِيفَ أَخْفَوْا سُيُوفَهُمْ فِي الْقَصَبِ ثُمَّ دَخَلُوا عَلَيْهِ بَيْتَهُ وَهُوَ يَحْتَجِمُ فَفَتَكُوا بِهِ، وَشَقَّ بَعْضُهُمْ بَطْنَهُ بِخِنْجَرٍ كَانَ مَعَهُ، وَقَالَ أَحَدُهُمْ لَمَّا ضَرَبَهُ: أَنَا الْغُلَامُ الطَّاقِيُّ! وَالطَّاقُ رُسْتَاقٌ بِقُرْبِ زَرَنْجَ، فَقَتَلَهُمْ يَزِيدُ بْنُ مَزْيَدٍ، فَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute