وَهَذَا عَبْدُ الْمَلِكِ هُوَ الَّذِي أَلْزَمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بِقَطْعِ خُطْبَةِ الْمَنْصُورِ وَقَالَ لَهُ: تَقْطَعُهَا وَإِلَّا قَتَلْتُ نَفْسِي! وَكَانَ قَدْ خَطَبَ لَهُ عَشَرَةَ أَشْهُرٍ، فَقَطَعَهَا.
وَكَانَ عَبْدُ الْغَفَّارِ وَحَيْوَةُ بْنُ مُلَابِسٍ قَدْ سَلِمَا مِنَ الْقَتْلِ. فَلَمَّا كَانَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ سَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِلَى إِشْبِيلِيَّةَ فَقَتَلَ خَلْقًا كَثِيرًا مِمَّنْ كَانَ مَعَ عَبْدِ الْغَفَّارِ وَحَيْوَةَ وَرَجَعَ. وَبِسَبَبِ هَذِهِ الْوَقْعَةِ، وَغِشِّ الْعَرَبِ، مَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِلَى اقْتِنَاءِ الْعَبِيدِ.
ذِكْرُ الْفِتْنَةِ بِإِفْرِيقِيَّةَ مَعَ الْخَوَارِجِ
قَدْ ذَكَرْنَا هَرَبَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبٍ، الَّذِي كَانَ أَبُوهُ أَمِيرَ إِفْرِيقِيَّةَ، مَعَ الْخَوَارِجِ، وَاتِّصَالَهُ بِكُتَامَةَ فَسَيَّرَ يَزِيدُ بْنُ حَاتِمٍ أَمِيرُ إِفْرِيقِيَّةَ الْعَسْكَرَ فِي أَثَرِهِ، وَقَاتَلُوا كُتَامَةَ.
فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ السَّنَةُ سَيَّرَ يَزِيدُ عَسْكَرًا آخَرَ مَدَدًا لِلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَاشْتَدَّ الْحِصَارُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَمَضَى هَارِبًا، وَفَارَقَ مَكَانَهُ، فَعَادَتِ الْعَسَاكِرُ عَنْهُ.
ثُمَّ ثَارَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى يَزِيدَ بْنِ حَاتِمٍ أَبُو يَحْيَى بْنُ فَانُوسٍ الْهَوَّارِيُّ بِنَاحِيَةِ طَرَابُلُسَ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْبَرْبَرِ، وَكَانَ بِهَا عَسْكَرٌ لِيَزِيدَ بْنِ حَاتِمٍ مَعَ عَامِلِ الْبَلَدِ، فَخَرَجَ الْعَامِلُ وَالْجَيْشُ مَعَهُ، فَالْتَقَوْا عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ مِنْ أَرْضِ هَوَّارَةَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَانْهَزَمَ أَبُو يَحْيَى بْنُ فَانُوسٍ، وَقُتِلَ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ، وَسَكَنَ النَّاسُ بِإِفْرِيقِيَّةَ، وَصَفَتْ لِيَزِيدَ بْنِ حَاتِمٍ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ ظَفِرَ الْهَيْثَمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَامِلُ الْبَصْرَةِ، بِعَمْرِو بْنِ شَدَّادٍ الَّذِي كَانَ عَامِلَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى فَارِسَ، وَسَبَبُ ظَفَرِهِ بِهِ أَنَّهُ ضَرَبَ غُلَامًا لَهُ، فَأَتَى الْهَيْثَمَ، فَدَلَّهُ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ، فَقَتَلَهُ، وَصَلَبَهُ بِالْمِرْبَدِ.
وَفِيهَا عُزِلَ الْهَيْثَمُ عَنِ الْبَصْرَةِ، وَاسْتُعْمِلَ سَوَّارٌ الْقَاضِي عَلَى الصَّلَاةِ مَعَ الْقَضَاءِ، وَاسْتُعْمِلَ سَعِيدُ بْنُ دَعْلَجٍ عَلَى شُرَطِ الْبَصْرَةِ وَأَحْدَاثِهَا، وَلَمَّا وَصَلَ الْهَيْثَمُ إِلَى بَغْدَاذَ مَاتَ بِهَا، وَصَلَّى عَلَيْهِ الْمَنْصُورُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute