فَلَمَّا سَارَ مَنَازِلَ مِنَ الْكُوفَةِ عَرَضَ لَهُ وَجَعُهُ الَّذِي مَاتَ بِهِ وَهُوَ الْقِيَامُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ جَعَلَ يَقُولُ لِلرَّبِيعِ: بَادِرْنِي حَرَمَ رَبِّي هَارِبًا مِنْ ذُنُوبِي، وَكَانَ الرَّبِيعُ عَدِيلَهُ، وَوَصَّاهُ بِمَا أَرَادَ.
فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى بِئْرِ مَيْمُونٍ مَاتَ بِهَا مَعَ السَّحَرِ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَلَمْ يَحْضُرْهُ عِنْدَ وَفَاتِهِ إِلَّا خَدَمُهُ، وَالرَّبِيعُ مَوْلَاهُ، فَكَتَمَ الرَّبِيعُ مَوْتَهُ، وَمَنَعَ مِنَ الْبُكَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ، فَحَضَرَ أَهْلُ بَيْتِهِ كَمَا كَانُوا يَحْضُرُونَ.
وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ دَعَا عَمَّهُ عِيسَى بْنَ عَلِيٍّ، فَمَكَثَ سَاعَةً، ثُمَّ أَذِنَ (لِابْنِ أَخِيهِ عِيسَى) بْنِ مُوسَى وَكَانَ فِيمَا خَلَا يُقَدَّمُ عَلَى عِيسَى بْنِ عَلِيٍّ، ثُمَّ أَذِنَ لِلْأَكَابِرِ وَذَوِي الْأَسْنَانِ مِنْهُمْ، ثُمَّ لِعَامَّتِهِمْ، فَبَايَعَهُمُ الرَّبِيعُ لِلْمَهْدِيِّ، وَلِعِيسَى بْنِ مُوسَى بَعْدَهُ عَلَى يَدَيْ مُوسَى الْهَادِي بْنِ الْمَهْدِيِّ.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيْعَةِ بَنِي هَاشِمٍ بَايَعَ الْقُوَّادَ، وَبَايَعَ عَامَّةَ النَّاسِ، وَسَارَ الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ إِلَى مَكَّةَ لِيُبَايِعَا النَّاسَ، فَبَايَعُوا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ.
وَاشْتَغَلُوا بِتَجْهِيزِ الْمَنْصُورِ، فَفَرَغُوا مِنْهُ الْعَصْرَ، وَكُفِّنَ وَغُطِّيَ وَجْهُهُ وَبَدَنُهُ، وَجُعِلَ رَأْسُهُ مَكْشُوفًا لِأَجْلِ إِحْرَامِهِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عِيسَى بْنُ مُوسَى، وَقِيلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَدُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ الْمَعْلَاةِ، وَحَفَرُوا لَهُ مِائَةَ قَبْرٍ لِيُغَمُّوا عَلَى النَّاسِ، وَدُفِنَ فِي غَيْرِهَا، وَنَزَلَ فِي قَبْرِهِ عِيسَى بْنُ عَلِيٍّ، وَعِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالرَّبِيعُ وَالرَّيَّانُ مَوْلَيَاهُ، وَيَقْطِينُ.
وَكَانَ عُمُرُهُ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَقِيلَ أَرْبَعًا وَسِتِّينَ، وَقِيلَ ثَمَانِيًا وَسِتِّينَ سَنَةً، فَكَانَتْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً إِلَّا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَقِيلَ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ إِلَّا يَوْمَيْنِ.
وَقِيلَ فِي مَوْتِهِ: إِنَّهُ لَمَّا نَزَلَ آخِرَ مَنْزِلٍ بِطَرِيقِ مَكَّةَ نَظَرَ فِي صَدْرِ الْبَيْتِ، فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَبَا جَعْفَرٍ حَانَتْ وَفَاتُكَ وَانْقَضَتْ ... سُنُوكُ، وَأَمْرُ اللَّهِ لَابُدَّ وَاقِعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute