للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصَفْتَ بِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ فَضَّلَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ مُعِينُهُ عَلَى طَاعَتِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صَاحِبِكَ، فَكَذَبْتَ وَلَؤُمْتَ، اخْرُجْ، فَلَا يُقْبَلُ مَا ذَكَرْتَهُ.

فَلَمَّا صَارُوا بِآخِرِ الْأَبْوَابِ أَمَرَ بِرَدِّهِ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: مَا قُلْتَ؟ فَأَعَادَهُ عَلَيْهِ، فَأُخْرِجُوا، ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ، فَأُوقِفُوا، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى مَنْ حَضَرَ مِنْ مُضَرَ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ فِيكُمْ مِثْلَ هَذَا؟ وَاللَّهِ لَقَدْ تَكَلَّمَ حَتَّى حَسَدْتُهُ، وَمَا مَنَعَنِي أَنْ أُتِمَّ عَلَى رَدِّهِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ حَسَدَهُ لِأَنَّهُ مِنْ رَبِيعَةَ، وَمَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ رُجَلًا أَرْبَطَ جَأْشًا، وَلَا أَظْهَرَ بَيَانًا، رُدَّهُ يَا غُلَامُ.

فَلَمَّا صَارَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ: اقْصِدْ لِحَاجَتِكَ! قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ عَبْدُكَ، وَسَيْفُكَ، وَسَهْمُكَ، رَمَيْتَ بِهِ عَدُوَّكَ، فَضَرَبَ، وَطَعَنَ، وَرَمَى حَتَّى سَهَّلَ مَا حَزُنَ، وَذَلَّ مَا صَعُبَ، وَاسْتَوَى مَا كَانَ مُعْوَجًّا مِنَ الْيَمَنِ، فَأَصْبَحُوا مِنْ خَوَلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هَنَةٌ مِنْ سَاعٍ، أَوْ وَاشٍ، فَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَوْلَى بِالْفَضْلِ عَلَى عَبْدِهِ، وَمَنْ أَفْنَى عُمُرَهُ فِي طَاعَتِهِ.

فَقَبِلَ عُذْرَهُ وَأَمَرَ بِصَرْفِهِمْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَرَأَ مَعْنٌ الْكِتَابَ بِالرِّضَا، قَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَشَكَرَ أَصْحَابَهُ، وَأَجَازَهُمْ عَلَى أَقْدَارِهِمْ، وَأَمَرَهُمْ بِالرَّحِيلِ إِلَى الْمَنْصُورِ.

فَقَالَ مُجَّاعَةُ:

آلَيْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ وَائِلٍ قَسَمًا ... أَلَّا أَبِيعَكَ يَا مَعْنُ بِأَطْمَاعِ

يَا مَعْنُ! إِنَّكَ قَدْ أَوْلَيْتَنِي نِعَمًا ... عَمَّتْ لُحَيْمًا وَخَصَّتْ آلَ مُجَّاعِ

فَلَا أَزَالُ إِلَيْكَ الدَّهْرَ مُنْقَطِعًا ... حَتَّى يُشَيِّدَ بِهُلْكِي هَتْفُهُ النَّاعِي.

وَكَانَ [مِنْ] نِعَمِ مَعْنٍ عَلَى مُجَّاعَةَ أَنَّهُ قَضَى لَهُ ثَلَاثَ حَوَائِجَ مِنْهَا: أَنَّهُ كَانَ يَتَعَشَّقُ جَارِيَةً مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مَعْنٍ، اسْمُهَا زَهْرَاءُ، فَطَلَبَهَا، فَلَمْ يُجِبْهُ لِفَقْرِهِ، فَطَلَبَهَا مِنْ مَعْنٍ، فَأَحْضَرَ أَبَاهَا، فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَأَمْهَرَهَا مِنْ عِنْدِهِ.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ حَائِطًا بِعَيْنِهِ، فَاشْتَرَاهُ لَهُ.

وَمِنْهَا أَنَّهُ اسْتَوْهَبَ مِنْهُ شَيْئًا، فَوَهَبَ لَهُ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ تَمَامَ مِائَةِ أَلْفٍ.

قِيلَ: وَكَانَ الْمَنْصُورُ يَقُولُ: مَا أَحْوَجَنِي أَنْ يَكُونَ عَلَى بَابِي أَرْبَعَةُ نَفَرٍ لَا يَكُونُ عَلَى بَابِي أَعَفَّ مِنْهُمْ، هُمْ أَرْكَانُ الدَّوْلَةِ وَلَا يَصْلُحُ الْمُلْكُ إِلَّا بِهِمْ، أَمَّا أَحَدُهُمْ فَقَاضٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>